قيل ;
"احتلال الأرض يبدأ من احتلال العقل ...واحتلال العقل يبدأ من احتلال اللغة "
تلك هي الحقيقة المغيبة الضائعة اليوم عن بال الكثيرين منا .
والمقصد من ذلك أن هناك حملة ممنهجة وموجهة لغزو العقول وإخضاعها والسيطرة عليها حتى يسهل التحكم بها وتمرير المشاريع المراد تمريرها .
ذلك أن العقل البشري لا يتوقف فقط عند استقبال المعلومات من مصادرها المختلفة وحفظها ولكنه يقوم بتحويلها إلى معرفة واستكشاف واستنتاج لأمور أخرى ومعان جديدة ومبادىء وقيم وسلوك تتعلق بالحياة من حوله .
لهذا يحرص أصحاب المصالح _ أيا كانت الشعارات التي يرفعونها_
على السيطرة على عقول الجماهير وذلك بابتكار وسائل إعلامية دعائية يعملون من خلاها على تزييف الحقائق ونشر معلومات مضللة والتفنن في اختيار الألفاظ التي تدغدغ مشاعر وعواطف الجمهور وتلامس دوافعهم الداخلية وخلق هالة من الخوف والفزع والقلق عن الطرف الآخر وذلك حتى يتمكنوا من سلب عقول الجماهير وبالتالي يسهل قيادها والسيطرة عليها وربما تسهيل عملية احتلال الارض .
هذا الأسلوب الرخيص لم يكن وليد اللحظة وإنما تم استخدامه قديما من قبل جماعات المصالح
لاستمالة الجمهور والسيطرة على عقولهم
وفرعون نموذج لهذا الأسلوب فقد استطاع شيطنة الطرف الآخر وإلصاق أبشع التهم بموسى عليه السلام
واستطاع السيطرة على عقول اتباعه وإقناعهم بأن هناك خطر داهم يهدد حياتهم وسينشر الفساد وسيغير الدين مما جعله يسوق القطيع لتحقيق أهدافه وهم منزوعي الإرادة .
وهكذا لا تزال جماعات التأثير ترتشف من ذلك المنهج الخبيث ..بل وتتفنن أكثر في ابتكار وسائل جديدة للسيطرة على عقول الجماهير .
لهذا يعتبر الإعلام أمضى سلاحا في الوقت الحاضر وأصبحت المعركة الإعلامية اليوم أشد ضراوة من معارك الميدان لأنها تلك المرحلة التي تهيأ لاتخاذ خطوات أخرى .
بل أصبح الإعلام اليوم سلطة رابعة حقيقية
تولى بالاهتمام والرعاية
وتحصل على ميزانيات ضخمة جدا لأنها العصا المطواعة التي بها تساق الجماهير إلى حيث يشاء صاحب الفكرة .
يقول جوزيف غوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر :
"إكذب إكذب حتى يصير الكذب حقيقة "
زاعما أن الحقيقة أكبر عدو .
لذلك تعتبر عملية احتلال العقول أسلوب من أخطر وافتك أساليب التأثير النفسي على المجتمعات والشعوب وهي مرحلة غاية في الأهمية تسبق الغزو والسيطرة الكلية للهيمنه سواءٌ أكانت عسكرية أو فكرية .
ولتقريب الصورة أكثر
لعلنا لا نزال نتذكر قضية العراق وبطله صدام حسين رحمه الله بداية تسعينيات القرن الماضي
فحينما أدركت أمريكا استحالة احتلال العراق عسكريا في ذلك الوقت
لجأت إلى ذلك الأسلوب الرخيص فعملت من خلال حملة إعلامية ممنهجة على إقناع الجمهور واستمالتهم بضرورة إزاحة البطل المغوار عن المشهد لأنه هو سبب كل الكوارث والأزمات والمصائب التي حلت بالشعب العراقي ...
وهذا ما تم فعلا وبكل أسف ..
فبعد عمليات تدجين ناجحة استمرت أكثر من عشر سنوات تمت السيطرة على عقول الناس وعواطفهم ومشاعرهم ثم تقدمت أمريكا بجيوشها فتلفت الأسد فلم يجد حوله من يدافع عن الأرض والعرض فوقع في الأسر وتبعثرت جيوشه الصلبة وهكذا استطاع الأمريكان احتلال عقول الناس تمهيدا لاحتلال أرضهم
وهذا ما تم فعلا حيث استباحت الجيوش الإمريكية أرض الرافدين
وأما الشعب المخمور فخرج إلى الشوارع مهللا ومكبرا ومرحباً بالمنقذ المخلص لهم من شرور البطل صدام واستقبلوه بالورود والرياحين منتظرين مرحلة الإزدهار والنمو والرخاء الذي يحمله الوافد الجديد..
ولكن المخمورين لم ينتبهوا للفخ الذي نصب لهم فوقعوا في مصيدة الكذب والخداع والغش والتزوير والشعارات المضللة فتحولت حياة الشعب العراقي المتطلع للتغيير إلى هذه المأساة التي لا تزال رحاها تطحنه حتى الساعة .
ما يحز في النفس إن هذا الأسلوب القذر لا تزال تستخدمه دوائر النفوذ العالمية والمحلية حتى اليوم .
والأشد إيلاما من ذلك كله .. أن الشعوب لم تتعض ولم تستفد من تجارب الآخرين ..حيث لا تزال تنخدع وتقع في نفس المصيدة وتشرب من نفس الكأس وتتجرع نفس المرارة .
وهكذا تتكرر المآسي مع الشعوب الجاهلية التي تبحث عن استغلال اللحظة الراهنة ضاربة عرض الحائط بالتفكير في المستقبل وبعد ذلك تتجرع ويلات تلك التصرفات الحمقى .
وكل ذلك نتيجة الجهل
وعدم الإدراك وغياب الوعي والنظرة التسطيحيه للاحداث والرضا بتسليم العقول إلى دوائر النفوذ بكل قناعة ودونما مناقشة .
إن أسلوب احتلال العقول من الأساليب
الأقل تكلفة لدوائر التأثير
للوصول إلى غاياتهم
وتحقيق أهدافهم ..
ما عليهم فعله فقط هو أن يوجهوا حملة إعلامية للجهة المستهدفة (فردا كان أو جماعة أو جهة إعتبارية ) فيعملون على شيطنته والصاق التهم الباطلة به وتشويهه ودغدغة مشاعر الجماهير بشعارات براقة خداعة منمقة ..
والشعوب الجاهلة جاهزه للتصفيق والتطبيل وتسليم عقولها طواعية لاصحاب النفوذ .. فيستخدمونها مطية للعبور إلى حيث يشاؤون .