عبد القوي الشامي
مع دخول اليوم السابع من الشهر السابع من عام 1994م كانت عدن وبقية مدن الجنوب الكبرى على موعد مع تسونامي النهب والحرائق, بعد حصار محكم تواصل لأربعة وستين يوم شرب خلالها سكان عدن المدينة التي عرفت أول شبكة مياه شرب وتصريف صحي في الجزيرة العربية شربوا من مياه عوادم المكيفات ومن مياه البحر, بعد ان دمر الغزاة خزانات شبكة المياه.
لقد كان يوم ابن سبعة وسبعين (..) ذاك الذي نهب فيه الجنوب ماديآ ومعنويآ, فالصورة لؤلئك الغرباء لا تكاد تفارق مخيلتي وهم ينهبون صباح يوم الاحتلال الكئيب, أثاث روضة الأطفال في منطقة (حافون) بحي المعلا, حينها لم أتمالك نفسي من فضاعة الصورة وهمجيتها, لأهرب إلى الأمام, الأ ان صورة طابور السيارات ذات الأرقام غير المحلية, وهي تلتهم بشراهة صارخة, كل ما كانت تحويه مخازن شركة التجارة الوطنية في منطقة (الكبسة), لم تكن الصورة مؤلمة بل شكل أولئك المحتلين النهابين وهم يتمنطقون الرشاشات كان مقززآ, واصلت الهرب من الموقف, وفي الطريق صوب الدكة أحسست بالإشفاق على تلك المرأة الطاعنة في السن وهي تحاول دحرجة خزنة مجمع المعلا الاستهلاكي باتجاه الشارع الرئيس أسرعت الخطأ حتى لا اضعف وأقدم على مساعدتها في عملية النهب.
وهناك في منطقة الدكة فوجئت, بأحدهم منهمك في تشليح إحدى سيارات الصالون الحكومية التي كانت تعرف أيامها بـ (ليلى) في وسط الشارع العام أمام محطة شمسان لبيع النفط, ولأنه كان مسلحا, تجنبه المارة, وفي خلفية الصورة كانت أعمدة الدخان تتصاعد من مبني الإدارة العامة لشركة التجارة لتحجب عقبة عدن عن الرؤية , أحرقت عنوة بعد ان نهبت كل محتوياتها حقد يمارس حتى الحجر,عدت أدراجي باتجاه دوار (الشيخ اسحق) فإذا بجلبة النهب تتكالب على مستودعات الصابون التابعة لشركة التجارة, الواقعة بالقرب من كلية الهندسة, انحدرت يمينا عودة إلى نقطة الانطلاق في حافون فإذا بأحدهم يرجوني بلهجة غير مألوفة, مساعدته في حمل احد (موتورات) القوارب البحرية المنهوب من المستودع المجاور, تعددت المشاهد في ذلك اليوم الذي اسمي بيوم النصر العظيم والهدف واحد.
النصر على من ومن انتصر ؟ أهم حرامية ولصوص الأوطان الذي انتصروا على مدنية وسلام المدينة, مثل عدن أو المكلا وغيرهما من مدن الجنوب التي صدم أهلها بذمة هؤلاء التتار, أم ان ثقافة الفيد هي من انتصر على ثقافة الحق والقانون ولكنني أدركت حينها بأن الانتصار الذي أعلنوه بكل صلافة يوم عطلة عامة لم يكن على المدينة بعمارها ومبانيها لأن لدى أولئك اللصوص ما يفوقها, الا أنهم أرادوه هدما لحضارة المدينة وكبريائها, لهذا تعددت مشاهد الصورة في كل مديريات محافظة عدن ومدن الجنوب والخلفية واحدة اغتيال شعب وتصفية وطن.
لقد دفع الشاب فهمي الفروي ابن 23 ربيع حياته ثمنآ, لا لشيء يستحق الفداء والتضحية بالحياة, وإنما لأنه دعا تخلف وهمجية القبيلة المدججة بقوة السلاح إلى دخول الحياة المدنية, فكانت حياته ثمنآ لاعتقاد ساوره في المكان المناسب, الأ ان الزمان لم يكن مناسبا لهكذا اعتقاد, فالأرض التي سقاها: فهمي الفروي ووضاح البدوي و احمد الدرويش وجياب السعدي وكثيرين, هي المدينة والزمان هو القبيلي في أبشع صوره الحيوانية عندما يكون متمترسآ بالسلاح, ويعجز عن المحاججة, فيستدعي الطلقة لإخراجه من الورطة, ليقع في شر أعماله, وان كان القاتل ينتمي إلى إحدى المحافظات الجنوبية فأنه ابن ثقافة يوم أخذت فيه المدينة بهمجية القبيلة ولكن مهما استقوى التخلف بالزمان فان المكان هو الثابت والزمان هو المتحول.
نعم لقد كان يوم ابن سبعة وسبعين (..) يوم فارق, فها هو العم (..) السبعيني يدفع حياته بالتقسيط المريح للصوص الأوطان عندما وجد نفسه يعيش لاجىْ في مدرسة وهو الذي لم ينم حياته خارج بيته الذي ورثه عن أبيه في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين, أما الأصعب فكان عندما وجد العم (..) نفسه, أمام بعض أجهزة منزلة المتهالكة التي هرب بحياته دونها من محافظة أبين بعد ان غزاها التتار الجدد, ليجدها تباع في سوق (الحراج) في الشيخ عثمان بلع العم (..) لسانه وآثر عدم الإفصاح عن بركان الغضب الذي تملكه حتى لا تضاف حياته فوق البيعة على يد محرّج ينتمي إلى ثقافة يوم ابن سبعة مسبعين(..)