آخر تحديث :الإثنين-12 مايو 2025-09:01م

الحكمة في مشروع الأقاليم

الأربعاء - 18 مايو 2016 - الساعة 11:08 م
احمد صالح الفقيه

بقلم: احمد صالح الفقيه
- ارشيف الكاتب


في العام 1953 بعد مرور خمسة أعوام على الفشل الكبير المدوي للثورة الدستورية وجه النعمان الابن الأستاذ محمد احمد نعمان سؤالا الى قادة اليمن (الثوار) فحواه الطلب إليهم ان يكتبوا الخطوط العريضة للسياسة التي يرونها اليق وانسب مع ما يصبون اليه وان عليهم ان يتحسسوا مواطن العلل ويستوضحوها، فان تجلت لهم واستبانت انكشف لهم بالمقابلة الحلول السليمة. وكان السؤال بعنوان ماذا نريد؟ وجاء في رسالة من خمس صفحات مؤرخا بتاريخ 16-8-1953 وكان جواب القاضي عبد الرحمن الارياني رئيس الجمهورية الأسبق الجواب الأكثر مباشرة وصراحة واصابة للغرض الأقصى واهم ما جاء فيه قولة ’ أنتم تعرفون رايي في الانفصال فقد ناقشنا الموضوع مع القاضي عبد الله عبد الاله الأغبري ومعكم أيضا. وانا لا أزال اعتقد وجاهة ذلك الراي الا أنى بعد ان كنت اتمسك به كغاية على إثر تلك الصدمات التي قاسيناها من القسم الأعلى (مناليمن) أصبحت الان اتمسك به كوسيلة نظرا الى ما قد فهمنا من اتجاهات الاتحاد الوطني وفروعه نحو الوحدة، والاتجاهات العربية العامة أيضا.

 

 والأسباب التي جعلتني اقتنع بوجاهة ذلك الراي هو ما كنت اعرفه مما لا تزال الأيام تزيدنا به معرفة من تمسك القسم الأعلى عامتهم وخاصتهم، الا النزر القليل من المتنورين، بالخلافة الهاشمية واعتقادهم الاعتقاد الجازم انه لا يجوز ان يتولى الحكم غير سيد علوي فاطمي. والعمل على اقناعهم يحتاج الى مدة طويلة وظروف ملائمة فيها كثير من الحرية، وهذا الداء الوبيل المستفحل هو قديم جدا، ونظرة عابرة في التاريخ اليمني تكفي لمعرفة خبر هذا الداء فهو ينخر في جسم الامة من قبل عدة قرون، وبسببه سفكت الدماء انهارا.

 

والاهم من هذا ان الامة (اليمنية) فقدت عزتها وكرامتها والفت العبوديةوأصبح اليمني لا يشعر بذاتيته، ولا يخطر على باله انه من الممكن ان يقوم امام من غير الاسر العلوية، ويعتقد ان محله الطبيعي ان يكون محكوما، وها ان اسرتكم من أكبر الاسر اليمنية وحضرتكم أكبر زعمائها وقد كنت القائد للحركة ولكم المحل الأول فبالله عليك اصدقني هل فكرت في يوم من الأيام في العمل لان يؤول الحكم اليك او الى أحد من اسرتك او غيرها من الاسر القحطانية؟

 

ويضيف القاضي الارياني قائلا: ومن هنا تعرف خطر هذا الداء الذي جعلنا نرضى بالدون ونألف الاستعباد او التبعية. وإذا كان أكبر زعيم من أعظم اسرة لا يفكر في الحكم ولا يحلم به ولا يطمع الى أكثر من ان يكون موظفا تابعا وهو لا يعتقد استحقاقهم لذلك دينا، ولكن بحكم العادة المألوفة التي قررتها العصى والكرباج فما بالكم بمن سواكم؟ ولا سيما الذين يعتنقون ذلك أعنى انه دين بينما لا يوجد طفل من بني هاشم الا ويفكر بحكم اليمن، فتأملوا البون الشاسع بيننا وبينهم لتقدروا خطر الداء. ان الحركة في القسم الأعلى لا يمكن ان تنجح على أساس حطم صنما وانصب صنما في نفس الوقت، ومن نوع الاصنام التي الفوا عبادتها وجرت العبودية المفروضة لها مع دمائهم او تفرضها القوة الظاهرة. وان النجاح على أساس تبديل صنم باخر معناه الفشل وبذل جهودفيما لا يجدي نفعا في حل المشكلة ومعالجة الداء. وقد يقول قائل انا مضطرون الى ان نلوح لهم بما ألفوه فننصب لهم أحد هذه الاصنام ثم نعود ونحطمه، والا كان نصيبنا الفشل وبقيت المشكلة بدون حل.

 

 المحاولة هي ان يركز الاحرار والمهاجرون جهودهم في العمل على اتخاذ القسم الأسفل ( من اليمن ) مركزا للحركة بناء على انهم سيجدونهم ملبيين  لدعوتهم، ويتزعم الحركة زعيم يمني شافعي او زيدي على ان لا يكون من الاسر العلوية، وينادى به زعيما او قائدا او نحو هذا بعد ان يتفق الاحرار من القسمين وليتفاهمو على اتخاذ القسم الأسفل قاعدة للحركة الى ان يتم ارغام القسم الأعلى على قبول الوضع الجديد واذا استمرت الزعامة مدة من الزمن بغير علوي الف الناس ذلك وفهموا انه من الممكن ان يقوم بالأمر غير المتألهين الذين الفوا ان يُعبدوا.

 

وإذا تم الاستيلاء على القسم الأسفل على أساس انه وسيلة او عل تعبير اصح مقدمة لإخضاع القسم الأعلى باتفاق بين احرار القسمين فانه سيغنينا عن تنصيب أحدالاصنام. (انتهى الاقتباس) *

 

لقد كانت مشاركة الاخوان المسلمين في الثورة الدستورية عام 48 واضحة، والاخوان المسلمون هم ما يسمى بحزب التجمع اليمني للإصلاح اليوم، ولا شك ان هذا الحزب وبعد كل التجارب ثبت له ان المشكلة لا تكمن في الاسر العلوية فقط ولكن في كل من ينتمون الى القسم الأعلى نظرا الى تجربة البلاد تحت حكم على عبد الله صالح الذي حاول ان ينصب نفسه صنما، وان يحول اليمن الى أمارة له ولعائلته أي الى جملوكية، مستغلا عاطفة أولئك الذين الفوا العبودية والذين شاركوه في النهب الشامل لمقدرات البلاد. ولآنه غبي وجاهل يظن في نفسه العبقرية فلم ينتصح ولم يعتبر، ولم يردعه ما جرى لصدام حسين وبن علي ومبارك والقذافي، حتى خرج الشعب ليطيح به.

 

ولهذا كان عبد ربه منصور هادي وهو من القسم الأسفل بمثابة الحل للمشكلة. ولكن على عبد الله صالح في مسعاه للعودة الى الحكم ولو عن طريق تنصيب ولده احمد، لجأ الى فكرة الفريق الاخر القائلة "أنصب صنما ثم حطمه"، وكان الصنم الذي اختاره هو الغلام الهاشمي العلوي عبد الملك بدر الدين الحوثي، وهوغلام أرعن ليس إلا، لم يفكر في العواقب فترامى في أحضان قاتل أخيه والعديد من أهله في ستة حروب مدمرة، وقد أعماه بريق السلطة التي لبست له قضية غيرها مهما كذب وضلل.

 

لقد كانت مخرجات الحوار الوطني الشامل التي جاءت بمشروع تحويل اليمن الى اتحاد فدرالي مكون من أقاليم هي الحل الأكثر عملية لمواجهة طغيان وجهلأبناء القسم الأعلى،فالمشروع يحصر نفوذ وسلطة هذا القسم وابناءه (وأنا منهم) في إقليم آزال ويجعل بينهم وبين بقية سكان اليمن سدا سياسيا كسد ذي القرنين هو الأقاليم.

 

-------------------------------

 

  • ·       أنظر في المصدر (محمد أحمد نعمان – الفكر والموقف) ص205-207 من جمع واعداد ونشر الأستاذ لطفي فؤاد احمد نعمان. مطبوعات التوجيه المعنوي للقوات المسلحة اليمنية. مارس 2001