آخر تحديث :Wed-31 Dec 2025-11:53AM
أخبار وتقارير

لماذا اصطدمت السعودية بالإمارات في اليمن؟ قراءة تحليلية تكشف ما وراء المشهد

الأربعاء - 31 ديسمبر 2025 - 10:20 ص بتوقيت عدن
لماذا اصطدمت السعودية بالإمارات في اليمن؟ قراءة تحليلية تكشف ما وراء المشهد
عدن الغد/ خاص

تناول الباحث والمحلل السياسي د. هشام الغنّام، في قراءة تحليلية موسعة نشرتها منصة «ثمانية»، خلفيات التطورات الأخيرة في اليمن، مسلطًا الضوء على أسباب التوتر السعودي–الإماراتي، ودلالات ما يجري في محافظة حضرموت، وانعكاساته الإقليمية والدولية.

وأوضح الغنّام أن الجدل المتصاعد حول مستقبل جنوب اليمن، وما إذا كان يشكّل تهديدًا للأمن الوطني السعودي، لا يمكن اختزاله في فكرة الانفصال بحد ذاتها، بل في طبيعة الكيان السياسي والأمني الذي قد ينشأ عنه، والجهة التي ستتحكم بولائه وخياراته الاستراتيجية.

وأكد أن السعودية لا تخوض صراعًا مع القضية الجنوبية أو المجتمع الجنوبي، مشيرًا إلى أن هذا الموقف ثابت في الخطاب والسلوك السياسي للرياض، غير أن الخلاف الحقيقي يتمحور حول المجلس الانتقالي الجنوبي، بوصفه كيانًا عسكريًا–سياسيًا خاضعًا لنفوذ خارجي، ومتماهيًا مع أجندات إقليمية ودولية تتقاطع مع مصالح إسرائيل وشبكات نفوذ بحرية وتجارية أوسع.

وبيّن الغنّام أن هذا التحول ينقل الملف الجنوبي من كونه شأنًا يمنيًا داخليًا إلى ساحة صراع إقليمي على النفوذ والممرات والحدود، مؤكدًا أن التمييز بين «القضية الجنوبية» و«المجلس الانتقالي» يعد مفتاحًا أساسيًا لفهم الموقف السعودي الراهن والمستقبلي.

وفي ما يتعلق بمحافظة حضرموت، شدد الغنّام على أنها تمثل في العقل الاستراتيجي السعودي عمقًا جغرافيًا وأمنيًا حيويًا، كونها المحافظة اليمنية الوحيدة ذات الحدود البرية الطويلة والمفتوحة مع السعودية، والتي لعبت تاريخيًا دور المنطقة العازلة التي تمتص الاضطرابات قبل وصولها إلى الداخل السعودي. وأوضح أن سيطرة كيان غير منسجم مع الرياض على حضرموت تعني فتح المجال أمام تهديدات متعددة، تشمل تهريب السلاح، وتسلل الجماعات المسلحة، وتحول الحدود الجنوبية إلى نقطة استنزاف أمني دائم.

وأضاف أن أهمية حضرموت لا تقتصر على بعدها الأمني، بل تمتد إلى كونها قلب الثروة النفطية اليمنية، وتضم حقولًا وموانئ حيوية على بحر العرب، ما يجعلها عنصرًا محوريًا في أي ترتيبات مستقبلية لمسارات تصدير الطاقة، وتقليل الاعتماد على ممرات بحرية حساسة مثل مضيق هرمز، في ظل تصاعد الصراعات الإقليمية.

وأشار الغنّام إلى أن الخطر الحقيقي لا يكمن في قيام دولة جنوبية مستقلة من حيث المبدأ، بل في احتمال تحوّلها إلى كيان وظيفي مرتهن أمنيًا وعسكريًا لقوى خارجية، ومنخرط في شبكة مصالح بحرية وتجارية تقودها موانئ إقليمية، وتتقاطع مع مشاريع ممرات اقتصادية دولية، بما فيها ممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا، وما يرافق ذلك من حضور استخباراتي وتقني إسرائيلي مباشر أو غير مباشر.

واعتبر أن هذا السيناريو يشكّل تهديدًا استراتيجيًا للسعودية عبر تطويقها بحزام نفوذ بحري واقتصادي يمتد من باب المندب إلى بحر العرب، دون الحاجة إلى وجود عسكري إسرائيلي معلن على حدودها، إذ يكفي التعاون الأمني والاستخباراتي ومنظومات المراقبة المتقدمة لتحقيق هذا الغرض.

وتناول الغنّام ما وصفه بـ«حرب الممرات» بوصفها صراع العقد القادم، موضحًا أن التنافس العالمي بين الممرات الاقتصادية بات ينتقل من الطرح النظري إلى المواجهة الميدانية، وتمتد ساحته من القرن الإفريقي إلى اليمن. وأشار إلى أن السيطرة على موانئ جنوب اليمن تمنح الأطراف المتحكمة قدرة كبيرة على التأثير في التجارة العالمية وتدفقات الطاقة، وهو ما يفسر تصاعد الاهتمام الإقليمي والدولي بالمنطقة.

وفي هذا السياق، فسّر الغنّام الضربة الجوية التي نُفذت في ميناء المكلا على أنها رسالة سعودية محسوبة بثلاثة أبعاد: الأولى للمجلس الانتقالي الجنوبي تؤكد قدرة الرياض على الضرب متى شاءت وأينما شاءت، والثانية للإمارات تفيد بأن السعودية تراقب الوضع في حضرموت بدقة وتسعى لتفادي مواجهة مباشرة، والثالثة للمجتمع الدولي بأنها تستهدف مجموعات مسلحة خارجة عن سيادة الدولة والشرعية، مع الحرص على اختيار أقل الخيارات تصعيدًا.

وبشأن الرد الإماراتي، أوضح الغنّام أنه اتسم بالهدوء الرسمي والدبلوماسي، مقابل استمرار حراك سياسي وإعلامي وضغط ميداني غير مباشر عبر قوى محلية حليفة، معتبرًا أن هذا الأسلوب يعكس نمطًا إماراتيًا معروفًا يقوم على الفصل بين الخطاب والسلوك العملي. وأشار إلى أن إعلان أبوظبي إنهاء وجودها العسكري في اليمن لا يمكن فصله عن إعادة تموضع أوسع، تعتمد فيه على النفوذ غير المباشر بدل الحضور العسكري المعلن.

وأكد أن قراءة البيانات الرسمية وحدها لا تكفي لفهم حقيقة الموقف الإماراتي، مشددًا على أن الوقائع الميدانية أثبتت وجود فجوة مستمرة بين التصريحات والسلوك العملي، وأن الهدوء الخطابي لا يعني بالضرورة تهدئة حقيقية على الأرض.

واختتم الغنّام تحليله بالإشارة إلى أن ما يجري في حضرموت يعكس انتقال العلاقة السعودية–الإماراتية من تحالف فرضته الحرب ضد الحوثيين إلى حالة تنافس متزايد على النفوذ. وفي ظل هذا المشهد، رأى أن جماعة الحوثي تراقب التطورات بصمت وتسعى لاستثمار الانقسام بين خصومها لتعزيز موقعها التفاوضي، بانتظار تسوية إقليمية شاملة لا يمكن إقصاؤها عنها.

وأكد أن حضرموت تمثل معركة مصيرية في الحسابات السعودية، لما تحمله من أبعاد أمنية واقتصادية واستراتيجية، وأن الصراع الدائر حولها يتجاوز اليمن ليطال مستقبل الممرات التجارية العالمية وتوازنات القوة في المنطقة، معتبرًا أن السؤال الأهم ليس ما إذا كان الجنوب سينفصل، بل لمن سيكون ولاؤه وفي أي محور إقليمي سينخرط.