تعيش آلاف الأسر في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي أوضاعاً بالغة القسوة، مع اتساع التدابير التي تفرضها الجماعة على المبادرات الخيرية والأنشطة التطوعية، ما أدى إلى توقف معظم قنوات الدعم غير الرسمية التي اعتمد عليها المواطنون خلال سنوات الحرب. وتزداد المعاناة يوماً بعد آخر، مع غياب أي بدائل حكومية قادرة على تعويض هذا الانكماش الحاد في العمل الإنساني.
وتقول مصادر محلية إن التضييق الأخير جاء في وقت تعاني فيه البلاد من موجة جوع غير مسبوقة، نتيجة استمرار الانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار وفقدان مئات الآلاف لوظائفهم ومصادر دخلهم. وكانت المبادرات المجتمعية خلال الأعوام الماضية تؤدي دور “شبكة أمان” بديلة للفقراء، غير أن الحوثيين باتوا يحكمون قبضتهم على تلك الأنشطة، مانعين أي مساعدات لا تمر عبر مؤسساتهم.
وخلافاً لنهج الحكومات التي تعتمد عادةً على دور المجتمع في تخفيف آثار الكوارث، اختارت الجماعة — كما يوضح مراقبون — نهجاً يقوم على احتكار كل أشكال التبرعات، سواء كانت زكاة أو صدقات أو مساعدات موسمية. ويؤكد تجار ورجال أعمال أن الجماعة تواصل تهديدهم لمنعهم من توزيع أي دعم بشكل مباشر، وتجبرهم على تحويله إلى الجهات التابعة لها، في خطوة يعتبرونها “مصادرة للصلاحيات الإنسانية” لا تستند إلى أي مبرر قانوني أو أخلاقي.
وتشير شهادات من صنعاء إلى أن جماعة الحوثي نفذت في الأشهر الأخيرة مداهمات استهدفت مبادرات شبابية تطوعية كانت تقدم وجبات ساخنة وبطانيات وملابس شتوية للأسر الفقيرة. وتم إجبار القائمين على تلك المبادرات على تسليم بيانات المستفيدين وكامل المساعدات التي بحوزتهم، تحت ذريعة أن التوزيع يجب أن يجري عبر “هيئة الزكاة” أو “المجلس الأعلى”، وهو ما أدى عملياً إلى توقف معظم أنشطة الدعم المباشر.
ويقول سكان محليون إن هذا الاحتكار أدى إلى تقلص حجم المساعدات الشعبية بشكل كبير، إذ يخشى الكثير من المتبرعين من التعرض للعقوبات أو الملاحقة، ما يزيد الضغط على الأسر التي لم تتلق أي دعم منذ أسابيع أو شهور، خصوصاً في الأحياء الفقيرة ومناطق النازحين.
ويحذر ناشطون من أن حرمان الفقراء من هذه المبادرات يعمّق فجوة الجوع، خصوصاً بعد تراجع دور المنظمات الدولية بسبب نقص التمويل. ويضيفون أن آلاف العائلات فقدت “الملاذ الأخير” الذي كان يخفف من وطأة الأزمات اليومية.
وتزامنت هذه التطورات مع تحذيرات دولية متزايدة؛ إذ أكدت تقارير صادرة عن منظمات أممية، بينها “الفاو” و“برنامج الأغذية العالمي”، أن اليمن من بين الدول الأكثر عرضة للانزلاق إلى المجاعة خلال الفترة المقبلة، إذا استمرت القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية.
ويرى خبراء أن استمرار الحوثيين في استخدام ملفات الإغاثة كوسيلة للسيطرة والضغط السياسي، يهدد بانهيار كامل لمنظومة الأمن الغذائي، محذرين من أن البلاد قد تواجه أسوأ أزمة إنسانية في تاريخها إذا لم تُرفع العوائق أمام العمل الخيري والمجتمعي.