كانت زيارتنا إلى أرخبيل سقطرى مع وفد وزارة الصناعة والتجارة، برئاسة نائب الوزير المستشار سالم سلمان الوالي، واحدة من التجارب التي تتجاوز حدود العمل الرسمي لتصبح قصة تُروى بعمق وانطباع لا يمحى. انطلقنا في زيارة تفقدية لمكتب الصناعة والتجارة بالمحافظة، بهدف تلمّس الاحتياجات وتعزيز الأداء والتنسيق، لكن الأرخبيل كان يحمل لنا ما هو أبعد من المهمة، وما هو أعمق من الواجب.
منذ أن هبطت الطائرة على أرض سقطرى، أدركت أنني أمام تجربة مختلفة. كان في استقبالنا المحافظ المهندس رأفت الثقلي، قائد المسار التنموي في المحافظة، وإلى جانبنا القائم بأعمال السفير الصيني الذي شاركنا الرحلة وبعض الزيارات تقدم نحونا بابتسامة صادقة وترحيب يليق بأصالة المكان وأهله.
لكن المشهد الذي علق في الذاكرة ولم يغب لحظة كان وجود الى جانب وفد من قيادة السلطة المحلية والمكاتب التنفيذية والشخصيات، مجموعة من الأطفال السقطريين في ساحة المطار، يحملون الورود الحمراء ويرتدون الزي السقطري التقليدي، بوجوه تفيض بالبراءة وعيون تنطق بالفرح شكلوا لوحة إنسانية تختصر جمال الأرخبيل وصفائه، وكأنهم يقدمون لنا مفتاح الدخول إلى عالم مختلف، عالم يرحّب بالضيف كما لو أنه أحد أبنائه
وفرّ لنا ربان السلطة المحلية كل ما يلزم من تسهيلات وإقامة وتنقلات، ولم يتركوا تفصيلاً إلا وأحسنوا ترتيبه. وبدأت رحلة العمل الميداني بين المؤسسات والمنشآت الحيوية.
زرنا ميناء سقطرى، واستمعنا إلى شرح مفصل عن الجهود المبذولة لتطويره وتنشيطه من المدير محمد سالم، ثم انتقلنا إلى محكمة استئناف سقطرى والتقينا بفضيلة القاضي محمد الاروع في إطار بحث سبل تعزيز الجهود المشتركة في ضبط الأسواق، وآليات تحرير محاضر الضبط وتنظيم المخالفات وفق الإجراءات القانونية المعتمدة بالتنسيق المباشر مع نيابة الصناعة والتجارة بالمحافظة.. كما شمل برنامج الزيارة لقاءات في البنوك، كالبنك الأهلي ومديره زكي مراد، وبنك التسليف الزراعي كاك بنك ومديره باسم علي عبدالوالي، ناقشنا معهم سبل تسهيل المعاملات المالية للتجار ورجال الأعمال والمستثمرين وتعزيز دور القطاع المصرفي في دعم النشاط التجاري والاقتصادي بالمحافظة، إلى جانب زيارة مصنع برايم للمياه والمرطبات وشركة برايم لتحضير وتجميد الأسماك، حيث لمسنا حجم الحراك الاقتصادي المحلي وتنوع الأنشطة الإنتاجية.
وفي آخر يوم من رحلتنا الشيقة المليئة بالعمل الدؤوب والزيارات الميدانية تحركنا برفقة سيادة المحافظ الثقلي وقيادات المكاتب التنفيذية والغرفة التجارية والصناعية لافتتاح متجر مجموعة المطوع للتجارة وسقطرى للصرافة واختتمنا أعمالنا بزيارة مكتب البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن بالمحافظة ولقاءنا مع مدير المكتب محمد بن حمد، الذي أكد على مواصلة تنفيذ المشاريع المعتمدة بما يعزز البنية التحتية ويُسهم في دعم استقرار المؤسسات الحكومية وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
ولم تتوقف الزيارة عند حدود العمل، بل امتدت لتشمل المشاركة في الفعاليات الرسمية للمحافظة، وعلى رأسها مهرجان بن زايد 2025، ذلك المهرجان الذي يجمع التراث والثقافة والهوية في لوحة نابضة بالحياة، فضلًا عن مشاركتنا في افتتاح استاد الاتحاد الرياضي الذي يمثل انطلاقة جديدة للحركة الرياضية في الأرخبيل.
أما الطبيعة، فقد كانت حضورًا طاغيًا في كل تحركاتنا. السواحل الممتدة بلونها الفيروزي، الجبال الشامخة، الأشجار الفريدة، والهواء النقي الذي يلامس الروح قبل الجسد. في سقطرى، تشعر وكأنك تعود إلى صفاء الأرض الأول، حيث لا شيء يعلو على جمال الخلق وعظمة المكان.
وفي قلب هذه الرحلة، كان هناك أخ كريم يستحق أن يُذكر بكل تقدير: الانسان الشهم والخلوق عثمان القميري سخر نفسه وسيارته ووقته وإمكاناته لخدمة الوفد. كان معنا في كل خطوة، وفي كل طريق، وفي كل زيارة. لم يكن مجرد مرافق، بل كان مرشدًا يعرف تضاريس الأرخبيل كما يعرف كف يده، وصديقًا يملأ الطريق حديثًا لطيفًا وروحًا خيرة، وأخًا أصيلًا بسجية صافية وخلق رفيع. عرفنا معه الطرق السياحية، والمناطق الساحلية، والمتنزهات الخلابة، وكان مثالًا للرجل الذي يجمع بين المعرفة، والوفاء، والإنسانية والأخ، والصديق، والنموذج الذي يُجسّد الإنسان الأصيل بسجية صافية وخلق رفيع.
كما لا يمكن أن أغفل ذكر كل من وقف معنا وساهم في إنجاح هذه الزيارة، من مسؤولي المحافظة، وطاقم مكتب الصناعة والتجارة، والعاملين في المؤسسات التي زرناها. كل منهم ترك في النفس أثرًا جميلًا، وأكد أن روح التعاون هي الأساس الصلب لأي تنمية حقيقية.
عدت من سقطرى وأنا أحمل في قلبي أكثر مما تحمله حقائب السفر محمّلًا بتجربة فريدة، وانطباعات لا تشبه غيرها وامتنانًا كبيرًا لكل من كان سببًا في نجاح المهمة، وإعجابًا صادقًا بجمال الجزيرة وناسها المسالمين وإعجاب بهذا الأرخبيل الساحر الذي يجمع بين جمال الطبيعة وكرم الإنسان.
أن هذا الأرخبيل ليس مجرد موقع جغرافي، بل عالم قائم بذاته، له سحره وفرادته، وله رجال يصنعون الفارق بحضورهم وأخلاقهم، كانت الرحلة قصة تُكتب، وذكرى تُحفظ، وشهادة على أن بلادنا ما زالت حية بجمالها وأهلها، مهما تعاقبت الظروف.
كتب - رضوان المسوري
مدير اعلام وزارة الصناعة والتجارة