بقلم - سالم سلمان الوالي
تمرّ الأيام والسنون، وتبقى الذكرى حيّة لا تُمحى من القلب.
في مثل هذا اليوم، رحل عن دنيانا والدي الحبيب محمد أحمد سلمان الوالي، رحل الجبل الذي كنا نستند إليه، والنبع الذي كنا نرتوي منه قيماً وحكمة ومحبة.
كان والدي مدرسة في الصبر والعطاء، لا يعرف الكلل، ولا يرضى إلا بأن يكون حيث يحتاجه الناس والوطن. عاش نقيّ السيرة، ثابت المبدأ، صادق الكلمة، لا يُبدّل الحقّ مهما تبدّلت الظروف. علّمنا أن الكرامة لا تتجزأ، وأن الوطن يستحق أن يُخدم بإخلاص لا بشعارات.
نشأ أبي في زمنٍ صعب، لكنه اختار أن يكون جزءاً من الحل لا من المشكلة. حمل همّ الوطن منذ شبابه، وانخرط في العمل الوطني والسياسي مبكراً، وساهم في بناء مؤسسات الدولة، مؤمناً بأن البناء الحقيقي يبدأ من الإنسان ومن ترسيخ العدالة والمساواة.
كان حيثما وُجد صوتاً للعقل، وملاذاً لكل من يلجأ إليه، يُنصت بتواضع، ويتحدث بثقةٍ وصدق.
ورغم ما حمله من مسؤوليات ومناصب — كوزير وسفير وقائد حزبي — ظلّ الأب الحنون، والإنسان القريب من الناس.
لم تغيّره المناصب، ولم تُغرِه الألقاب. بقي بسيطاً في حياته، عظيماً في مواقفه، جميلاً في حضوره الإنساني.
بيته كان مفتوحاً للجميع، وابتسامته كانت أسبق من كلماته.
بالنسبة لي، لم يكن أبي مجرد والد، بل كان المعلم الأول، والقدوة التي أنارت طريقي.
علّمني أن الرجل يُعرف بوفائه، لا بما يملكه.
أن المحبة تُزرع بالصدق، وأن العمل لخدمة الناس أسمى درجات العبادة.
كان يرى في كل يوم فرصةً لفعل الخير، وفي كل إنسان كرامة تستحق الاحترام.
رحل أبي، لكن أثره باقٍ فينا، في كل ما نفعله وما نحلم به.
رحل الجسد، لكن الروح حاضرة، تهمس فينا أن نواصل دربه، وأن نحمل رايته التي لم تسقط يوماً.
كلما ضاقت بنا الحياة، تذكّرنا حكمته وصبره وابتسامته التي كانت تُطفئ الألم.
في هذه الذكرى، أقول لك يا أبي:
نم قرير العين، فقد زرعت فينا ما يجعلنا نكمل الطريق على نهجك.
ذكراك عزّنا، وسيرتك فخرنا، واسمك سيظلّ منارة تُضيء لنا الدرب مهما تعاقبت الليالي.
رحمك الله يا والدي الحبيب محمد أحمد سلمان الوالي، وجعل مثواك الجنة، وجزاك عن وطنك وأهلك وأبنائك خير الجزاء.
سلامٌ عليك في ذكراك، وسلامٌ على روحك التي لا تزال تسكننا كل يوم