آخر تحديث :الثلاثاء-14 أكتوبر 2025-12:50ص
فن

دور الأغنية الوطنية في مناصرة ثورة 14 أكتوبر — الفنان الكبير محمد محسن عطروش أنموذجاً

الإثنين - 13 أكتوبر 2025 - 10:47 م بتوقيت عدن
دور الأغنية الوطنية في مناصرة ثورة 14 أكتوبر — الفنان الكبير محمد محسن عطروش أنموذجاً
كتب / علي حيمد

الحديث عن الأغنية الوطنية واسع وشائق، فهو يمتد ليشمل محاور فنية وثقافية وتاريخية متعددة. وعند الكتابة عن دور الأغنية الوطنية في معارك التحرر ينبغي أن نركز على المراحل التي مرّت بها هذه الأغنية وما قدّمته من دعم معنوي ونفسي للشعوب في لحظات الانكسار والنهضة. ونحن نحيي اليوم الذكرى الثانية والستين لانطلاق ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة من على قمم جبال ردفان الشماء، بقيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب، لا بد أن نقف عند مساهمة الأغنية الوطنية في إشعال جذوة الثورة، وعلى رأس من شكّلوا هذه الحلة الصوتية الثائرة نقف مع الفنان الكبير محمد محسن عطروش أنموذجًا.


منذ اندلاع الثورة في 14 أكتوبر 1963م وخلال مرحلة الكفاح المسلح التي استمرت أربع سنوات حتى تحقق الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م، برزت مجموعة من الشعراء والفنانين الذين لحنوا الكلمات وصاغوا الألحان التي صارت سلاحًا لا يقل أهمية عن البندقية في إيقاظ الهمم وتعبيد دروب النضال. من بين هؤلاء: عبدالله هادي سبيت، لطفي جعفر أمان، محمد مرشد ناجي، محمد محسن عطروش، علي عبدالعزيز نصر، حسن محمد عطا، أحمد بن أحمد قاسم، كور سعيد عوض، إسكندر ثابت، محمد سعد عبدالله، سعيد عبدالله الشعوي، صالح فقيه، صالح نصيب، وآخرون كثيرون أسهموا بكلمة ولحن أثّرا في الوعي الوطني وشحذا الروح المقاوِمة.


لقد فتحت الأغنية الوطنية أبواب الأمل، وجعلت مما كان يبدو مستحيلاً قابلاً للتحقيق. لم تكتفِ الأنشودة بدور الترفيه أو الزينة، بل كانت منصّة لنشر فكرة الحرية والكرامة، ولحشد الجماهير واستنهاضها نحو مواجهة مستبدٍ احتل أرض الجنوب قرابة 129 عامًا. كانت الأناشيد تُبث من إذاعات إقليمية وعربية، وتنتقل بين الحناجر لتصبح لسان حال الجماهير وسيفًا مسنًا في مواجهة الطغيان.


الفنان محمد محسن عطروش، الملقب بفنان الثورة، قدّم خلال تلك المرحلة باكورة أعمال وطنية شكّلت علامة فارقة. أنشودة «برع يا استعمار» كانت من أنجح ما قدّمته تلك الفترة؛ كلمات وحماس لحنيا امتزجا ليصنعا قصيدة صوتية تحرك القلوب وتوقظ العزائم. هذه الأنشودة، التي أذيعت أولاً عبر إذاعة صوت العرب في القاهرة، ثم عبر إذاعات محلية، حملت رسائل رفض للاستعمار ودعوة صريحة للثورة، فكان وقعها كوقع المدفع والرصاصة في نفوس المستمعين. ومن أعماله الأخرى التي ألهبت حماس الناس وأنشدت روح الثورة أنشودة «يا الحِج يا ضالع» التي نادت شعب الجنوب للنهوض والمقاتلة من أجل الحرية، فجاءت كلماتها مشحونة بالصوت الشعبي والهمّ الثائر، لِتُحدث صدىً واسعًا بين صفوف الناس والفرسان.


لم تكن كلمات عطروش عبارات إنشائية فحسب، بل كانت أدواة تحريض معنوي ومسارًا ثقافيًا يواكب المسيرة النضالية، فتجد فيها مرآة لتضحيات الشعب ومحركًا للعزيمة. أنشائده مثلت سندًا معنويًا لمقاتلي الكفاح المسلح، وشحذت الهمم بالدعوة إلى الثبات والدفاع عن الأرض بالمدفع والخنجر والرصاص حين اقتضت الضرورة، كما أنها مثّلت مواساة ودفعة لأهل الجنوب الذين احتفلوا بأي بادرة أمل أشرقت مع أنغام تلك الأناشيد.


ولا يجوز أن نغفل أن الأغنية الوطنية لم تكن تعمل بمعزل عن بقية أدوات النضال الثقافية؛ فقد تضافرت جهود الشعراء والمطربين والإذاعات والمثقفين لتخلق حالة من التعبئة الجماهيرية التي مهدت الطريق للاستقلال. وقد بقيت هذه الأناشيد بعد الاستقلال ذاكرة صوتية لدى الأجيال، تذكّرهم بتضحيات من سبقهم وتعيد إشعال روح المواجهة عند الحاجة.


وفي الختام، نؤكد أن استذكار دور الأغنية الوطنية في مساندة ثورة 14 أكتوبر ليس مجرد استحضار لماضٍ فني، بل هو قراءة لقيمة الفن كأداة مقاومة وبناء وعي. ومن خلال متابعة أعمال فنانين مثل محمد محسن عطروش ندرك أن الكلمة المغناة قادرة على أن تكون بندقية الصوت، وأن الألحان الوطنية قادرة على أن تكون شرارة الانطلاق نحو الحرية والكرامة. سنتناول في مقالات لاحقة مساهمات بقية الشعراء والفنانين تفصيليًا، لتكتمل الصورة عن هذا الكفاح الفني الذي ساهم في صنع التاريخ.


غرفة الأخبار / عدن الغد