تُثار في هذه الأيام تساؤلات عديدة حول دوافع بعض المكونات السياسية لإقامة احتفالات ثورة 14 أكتوبر في محافظة حضرموت ، فمن خلال متابعتي لعدد من المواقع والمنصات الإعلامية، لاحظت أن بعض المكونات، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، تسعى إلى تنظيم فعاليات احتفالية بهذه المناسبة في مدينتَي شبام والمكلا ..
غير أن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو: ما الرمزية أو الفائدة التي يمكن أن تعود على حضرموت من هذه الاحتفالات؟
فالشعب الحضرمي يعيش أوضاعًا معقدة وصعبة في مختلف المجالات، من تأخر صرف الرواتب، وتدهور الخدمات، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بينما تتجه هذه المكونات إلى إقامة فعاليات واحتفالات لا تعالج جوهر معاناة المواطن ..
يبدو أن من يخطط لهذه الاحتفالات يريد فرض رمزية الثورة على الحضارم، أو الإيحاء بأنهم يحبونها ويتبنون نتائجها، في حين أن الواقع مختلف تمامًا ، فمنذ قيام ثورة 14 أكتوبر 1963 وحتى اليوم، يعيش أبناء حضرموت سلسلة من الأزمات والحرمان، نتيجة ما ترتب على الثورة من إسقاط دولتهم التاريخية، ودخولهم في دهاليز الصراعات الفكرية والسياسية، وانتشار الأفكار الماركسية، وسياسات التأميم، ومحاولات طمس الهوية الحضرمية ..
صحيح أن الثورة نجحت في تحقيق الاستقلال عن بريطانيا وخروج القاعدة البريطانية من عدن عام 1967، لكن الثمن كان باهظًا بالنسبة للحضارم، الذين وجدوا أنفسهم بعد الاستقلال أمام سلطة جديدة قادت البلاد نحو المركزية والصراعات الداخلية ..
الرمزية الحقيقية للمكان :
من وجهة نظري، فإن الأنسب والأكثر رمزية أن تُقام احتفالات ثورة 14 أكتوبر في مديرية ردفان أو الضالع أو مدينة عدن، فهي المناطق التي انطلقت منها شرارة الثورة، كما أن عدن اليوم تمثل العاصمة السياسية والإدارية لكل الأنشطة الحكومية والاقتصادية، خصوصًا بعد اتفاقية الرياض عام 2022 التي أعادت تشكيل مجلس القيادة والحكومة بمشاركة مكونات متعددة ..
لكننا نرى أن الحكومات المتعاقبة قبل تكليف الأخ سالم بن بريك لم تحقق أي إنجاز يُذكر للمواطنين، سواء في الجنوب عمومًا أو في حضرموت خصوصًا، التي ما تزال تعاني من التخلف والفقر والفساد المستشري في معظم مؤسسات الدولة ..
ذاكرة الجرح الحضرمي :
إن إقامة احتفالات أكتوبر في حضرموت، وتحديدًا في مدينة شبام، تُثير في الذاكرة الحضرمية واحدة من أبشع الجرائم التي أعقبت الثورة، وهي حملة السحل التي شهدتها المدينة عقب انتصار الجبهة القومية.
ففي تلك الفترة، وتحديدًا في عام 1970 تقريبًا، تم إعدام وسحل عدد كبير من الحضارم — قُدّروا بالمئات — بتهم وُصفت حينها بالرجعية أو العمالة، دون محاكمات عادلة ..
وقد ارتُكبت تلك الجرائم تحت شعار “التطهير الثوري”، لكنها في الحقيقة كانت وصمة عار في تاريخ الجبهة القومية، ولا تزال الذاكرة الحضرمية تحتفظ بمرارتها حتى اليوم.
لقد كان الهدف من تلك الممارسات كسر إرادة الحضارم، وتخويف كل من يعارض أو ينتقد سياسات الجبهة في حضرموت وغيرها من المدن ..
حضرموت ومطالبها المشروعة :
إن إقامة مثل هذه الاحتفالات اليوم لن تُثني الحضارم عن مواصلة نضالهم السلمي لتحقيق مطالبهم المشروعة التي عبّروا عنها بوضوح في بيان 31 يوليو 2024، وعلى رأسها الحكم الذاتي لحضرموت، وهو خيار لا رجعة عنه، ويُعد أحد الأهداف الاستراتيجية التي يعمل عليها حلف حضرموت منذ تأسيسه، بهدف تحقيق نهضة حقيقية لأبناء المحافظة.
ورغم الأنباء عن نية مكوّن الحراك الجنوبي (مكون الشنفرة) إقامة احتفالات مشابهة في المكلا أو الضالع، فإننا نؤكد أن الأولى أن تُقام تلك الفعاليات في المناطق التي فجّرت الثورة أصلًا لا في حضرموت ، فكما هو معروف فإن أول من فجّر الثورة هو راجح بن غالب لبوزة من جبال ردفان في الرابع عشر من أكتوبر 1963، وبالتالي فإن رمزية المناسبة ترتبط جغرافيًا وتاريخيًا بتلك المناطق ..
رسالة إلى المكونات السياسية والتحالف :
نقولها بوضوح:
أبعدوا حضرموت عن صراعاتكم واحتفالاتكم، واتركوا أهلها يقررون ما يريدون بأنفسهم ، فحضرموت ليست تابعة لأي مكون، ولا تسير وفق رغبات القوى السياسية ..
إن من يحاول فرض وصايته على الحضارم أو تزييف إرادتهم إنما يُسيء إلى تاريخ هذه الأرض التي كانت وما زالت رمزًا للأمن والسلام والتعايش ..
لقد أصبح أبناء حضرموت اليوم أكثر وعيًا ونضجًا، ويميزون بين الشعارات والمشاريع الحقيقية، ولن تنطلي عليهم محاولات المكونات التي تسعى لخلط الأوراق أو إضعاف حلف حضرموت وتشويه أهدافه ..
ختامًا :
نقول لكل من يريد أن يفرض أجندته السياسية على حضرموت:
إن هذه الأرض الطيبة ليست ساحة لتصفية الحسابات، ولا منصة لإظهار الولاءات الحزبية.
حضرموت أرض الأمن والسلام والمحبة، وستظل مفتوحة للجميع في أوقات السلم، لكنها في الوقت نفسه ترفض أن تكون تابعة أو هامشية في أي مشروع سياسي فأهل حضرموت أدرى بشعابها، وأحرص على مستقبلها، ولن يقبلوا إلا بما يحقق كرامتهم وحقهم في إدارة شؤونهم بأنفسهم .
هذا والله من وراء القصد.