مع تأكيد الولايات المتحدة اعتقال الحوثيين أكثر من 600 مدني على خلفية احتفالهم بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال اليمن، توسعت حملة الاعتقالات إلى مناطق كانت توصف بأنها مناطق الموالاة للجماعة ومخازن بشرية لمقاتليها مثل محافظتي حجة وذمار.
يأتي هذا مع تأكيد مصادر محلية أن العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء تعيش حالة طوارئ غير مسبوقة أصبح خلالها سكان المدينة رهائن للقبضة المخابراتية خشية انتفاضة شعبية.
السفارة الأميركية لدى اليمن أصدرت بياناً أدانت فيه وبشدة «الاعتقالات غير القانونية» التي نفَّذتها جماعة الحوثي «الإرهابية» بحق أكثر من 600 يمني هذا العام بسبب إحيائهم ذكرى ثورة «26 سبتمبر» وهي المناسبة الوطنية التي يُحتفل بها منذ 63 عاماً. وقالت إن هذه الأفعال تمثل استخفافاً صارخاً بالحريات الأساسية وحقوق الشعب اليمني في تكريم تاريخه وتقاليده.
هذا الموقف تزامن مع تأكيد مصادر محلية وسياسية في مناطق سيطرة الحوثيين أن سكان العاصمة المختطفة يعيشون تحت سيطرة قبضة مخابراتية غير مسبوقة فُرضت على مختلف الأحياء، حيث تعيش الجماعة مرحلة غير مسبوقة من الرعب خشية انتفاضة شعبية داخلية بعد وصول الأوضاع الاقتصادية في تلك المناطق إلى أسوأ مراحلها.
المصادر ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين نشروا عناصر مخابراتهم من الجنسين في أحياء صنعاء وأقاموا حواجز تفتيش في مداخل الحارات، وأخضعوا السكان للتفتيش والتأكد من الهويات بحضور مسؤولي تلك الأحياء للتعريف بهم، ومنعوا أي شخص غريب من الدخول أو حتى المرور في الشوارع العامة في تلك الحارات إلا بمعرّف.
وفق هذه المصادر فإن الحوثيين قاموا قبل ثلاثة أيام بنشر عناصر الشرطة النسائية المعروفات باسم «الزينبيات» بعد أن خضعن لدورات مكثفة في كيفية قمع أي تجمعات نسائية أو أي مقاومة لعمليات التفتيش، حيث زُوّدن بهراوات صاعقة لتجنب أي عراك أمام السكان قد يؤدي إلى ردة فعل غاضبة تجاه أي اعتداء.
ووفق هذه الرواية فإن الحوثيين خصصوا منازل داخل الأحياء لهذه العناصر يتمركزن فيها، وتحولت إلى مواقع ميدانية للقيادة يتم من خلالها توزيع تلك العناصر على ورديات العمل طوال اليوم.
وطبقاً لهذه الإفادات فإن هذه الحواجز، وبالذات في الأحياء التي تُصنَّف مناطق غير موالية، تُخضِع السكان لتفتيش دقيق بما فيه الهواتف الشخصية.
ويركز التفتيش-حسب المصادر- على أي صور أو رسائل يتم فيها ذكر الحوثيين أو ثورة «26 سبتمبر»، وكذلك ملف الصور للبحث عن أي ملصقات تحتفي بالمناسبة أو تضم صوراً للرئيس الراحل علي عبد الله صالح تحديداً أو نجله، حيث لا يزال الرجل وحزبه يتمتعان بشعبية كبيرة خصوصاً في مناطق سيطرة الجماعة.
وفي محافظة ذمار (جنوب صنعاء) التي كانت توصف بأنها من المخازن البشرية لرفد الحوثيين بالمقاتلين، أكدت مصادر محلية في مديرية الحدا أن الجماعة نفَّذت منذ ثلاثة أيام حملة مداهمات واعتقالات واسعة في عدد من قرى المديرية، بمشاركة أكثر من عشرين عربة عسكرية، لاحقت السكان إلى قمم الجبال حيث أشعلوا الإطارات المستعملة ابتهاجاً بذكرى الثورة.
مصادر قبلية قدّرت عدد المعتقلين بنحو 100 شخص في هذه المديرية لوحدها، كما ذكرت أن الحوثيين اعتقلوا أيضاً أكثر من 15 مدنياً من قرى متفرقة في مديرية جبل الشرق، فيما لا تزال تحتجز العشرات من أبناء مديريات مختلفة بالمحافظة.
وفي محافظة البيضاء المجاورة لذمار من جهة الشرق، اعتقلت الجماعة 20 شخصاً في مديرية السوادية، كما اعتقلت أكثر من 30 في محافظة المحويت غرباً، فيما ارتفع عدد المعتقلين في محافظة حجة (شمال غرب)، التي توصف بأنها ثاني أكبر مخزن بشري للحوثيين بعد محافظة صعدة، إلى نحو 50 شخصاً كلهم من المدنيين.
في محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) التي أصبحت خلال السنوات الثلاث الأخيرة مركزاً للمعارضة ضد سلطة الحوثيين، واعتُقل فيها أكثر من 170 شخصاً، أوردت المصادر نماذج من التعسف الذي يُمارَس بحق السكان.
وقالت المصادر إن أحد الشبان بثَّ الأناشيد الوطنية من أعلى مرتفع جبلي في إحدى القرى، وإن الحوثيين الذين عجزوا عن تحديد هوية الشاب اعتقلوا كل الذكور في القرية بمن فيهم «عاقل القرية» إلى حين تسليم المتهم بإشعال النار احتفالاً بمناسبة ثورة «26 سبتمبر».
كما اختطفت الجماعة شخصاً آخر لأنه في العام الماضي رفع العلم الوطني ولم يتم اعتقاله، واعتقلوا ثالثاً بسبب قيامه بإشعال النار في مزرعته ليلاً لعمل فنجان من الشاي، إذ يعدّ الحوثيون إشعال النيران ليلاً احتفالاً بالمناسبة.
وفي مديرية همدان بضواحي العاصمة اليمنية من جهة الشمال الغربي اعتقل الحوثيون شيوخ قرى المداور ومذبل والبياضي حتى يُحضِروا من أشعلوا النيران إحياءً للمناسبة.
وعلى وقع هذه الانتهاكات أدانت «منظمة شهود لحقوق الإنسان» بأشد العبارات «الممارسات القمعية» التي تنفذها جماعة الحوثي المسلحة بحق المواطنين الذين كانوا «ينوون» الاحتفال بالذكرى الـ63 لثورة «26 سبتمبر».
وقالت المنظمة إن الجماعة منعت أي مظاهر احتفالية بالثورة، وأقدمت على اعتقال المئات بشكل تعسفي، بينهم ناشطون ومحامون وإعلاميون وموظفون وطلاب ومزارعون وأشخاص عاديون، لمجرد التعبير عن فرحتهم بالمناسبة عبر منشورات على حساباتهم في التواصل الاجتماعي، أو استخدام شعارات ورفع الأعلام الوطنية، أو إشعال النيران في مناطقهم.
وشملت الانتهاكات -وفق المنظمة- اقتحام المنازل وترويع الأسر، ومن بينها واقعة اقتحام منزل عارف قطران في قرية الجاهلية بمديرية همدان محافظة صنعاء واعتقاله مع نجله عبد السلام واقتيادهما إلى جهة غير معلومة.
ووصفت المنظمة ما حدث بأنه سياسة قمع ممنهجة تستهدف المدنيين الذين يمارسون حقهم المشروع في التعبير عن ولائهم الوطني.
ودعت المنظمة الحقوقية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، ووقف جميع الممارسات القمعية، واحترام الحقوق والحريات، كما دعت المبعوث الأممي إلى اليمن والمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى التحرك فوراً لوقف هذه الانتهاكات التي تهدد السلم المجتمعي.