آخر تحديث :الجمعة-12 سبتمبر 2025-01:49م
أخبار وتقارير

الرئيس علي ناصر: الرئيس صالح تعمد إطالة أمد الأزمة الجنوبية لضمان نفوذ صنعاء في عدن عبر خلافات أحداث 13 يناير 86م

الجمعة - 12 سبتمبر 2025 - 10:53 ص بتوقيت عدن
الرئيس علي ناصر:  الرئيس صالح تعمد  إطالة أمد الأزمة الجنوبية لضمان نفوذ صنعاء في عدن عبر خلافات أحداث 13 يناير 86م
((عدن الغد))خاص

عدن الغد/د. الخضر عبدالله:


كشف الرئيس الأسبق علي ناصر محمد عن زيارة الرئيس علي عبدالله صالح إلى عدن قبل إعلان الوحدة بين الشطرين، موضحاً أن تلك الزيارة جاءت في سياق ما بعد أحداث 13 يناير الدامية.

وقال علي ناصر محمد إن الرئيس صالح كان حريصاً على إبقاء قيادات الجنوب المتواجدين في صنعاء آنذاك كورقة ضغط، أو ما وصفه بـ"فزاعة" تُستخدم ضد الجنوبيين في عدن، في مرحلة شهدت حالة من التصدع والاضطراب السياسي بعد الحرب الداخلية.

وأضاف أن زيارة صالح إلى عدن لم تكن بريئة من الحسابات السياسية، بل ارتبطت بمساعٍ لترتيب التوازنات الداخلية واستثمار الانقسامات بين القوى الجنوبية، مشيراً إلى أن القيادة في الشمال كانت تنظر إلى تلك المرحلة باعتبارها فرصة لتعزيز نفوذها قبل مشروع الوحدة.

وأوضح الرئيس الأسبق أن ذلك التوجه عكس سياسة متعمدة من صالح لإطالة أمد الأزمة الجنوبية، بحيث يبقى قادة الجنوب في صنعاء أداة ضغط مستمرة، وفي الوقت نفسه ضمان نفوذ صنعاء في عدن عبر بوابة الخلافات التي خلّفتها أحداث يناير 1986.

كواليس زيارة عدن


وسرد الرئيس ناصر تفاصيل زيارة الرئيس صالح إلى عدن قائلا: " وصل الرئيس علي صالح في الصباح إلى مطار عدن، فاستقبلته على رأس وفد من القيادة، وانتقلنا إلى دار الضيافة، وبعد تناول الغداء أجرينا مباحثاتنا، وكنتُ واضحاً وصريحاً.

واضاف ناصر في حديثه :"حدّق الرئيس صالح في الجهة الجنوبية الغربية، وبدأ يتحدث عن "الشيخ سعيد"، الجبل القائم فوق كتف باب المندب، والمطلّ على جزيرة بريم ذات الموقع الحساس والاستراتيجي. وأخبرنا أنه كان يعمل، وهو ضابط في حقبة السبعينيات، في تلك البقعة (الشيخ سعيد)، ووصف لنا كيف أنه في نقطة التقاء البحر الأحمر بالمحيط الهندي، يبدو المشهد فريداً من نوعه، فبالإمكان تمييز اللون الخاص بمياه كل من البحرين بالعين المجّردة. وقد ورد في سورة الرحمن قوله تعالى: "مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخان لا يبغيان" .

وما كان من "علي شائع" إلا أن ردّ عليه، قائلاً دون أية ممهّدات: هذا كان منذ زمن... أما الآن فلا يمكن التمييز بين الألوان. واستشهد بآية كريمة أخرى تتحدث عن الأبقار المتشابهة التي لا يمكن التمييز فيما بينها. "إنّ البقر تشابه علينا" .عندها استشاط صالح غضباً، وعَدّ الكلام موجهاً ضده، فطرح السكين والشوكة على الطاولة، وبانت على وجهه دلائل السخط. المهم أنّ الإشكال البسيط لم يؤثر في أجواء الغداء، وتابع الجميع تناول طعامهم، إلا أننا كنا جميعاً مستائين من تصرف علي شائع. بعد تناول الغداء، دعوناهم ــ مثلما هي العادة اليمنية ــ إلى جلسة "تخزين" قات، في بيت الضيافة نفسه (البريقة)، وهناك استؤنف النقاش هادئاً وفي أجواء ودية، وتناول بعض المشاريع المشتركة التي اتُّفق على إقامتها، ومنها شركات السياحة والنقل البري والنقل البحري... إلّا أنّ علي شائع كان بادي التوتر، وقد حرص صالح مصلح على الجلوس إلى جانبه تحسباً لأية زلّة لسان، ولإسكاته عند الضرورة بطريقته الطريفة والمحبّبة. في بعض "محطات" الحديث الدائر بيننا، كان علي شائع يرفع يده طالباً الكلام، قائلاً: "نقطة نظام!"، فينهره صالح مصلح على الفور: "أنزل يدك! لسنا في اجتماع تنظيمي...". كان شائع يتحامل على اللجان المعنيّة بالمشاريع المشتركة، متهماً بعض مسؤوليها (النقل وغيره) بأنهم "سُرّاق"، مطالباً بـ"حل هذه الشركات واللجان كلها عن بكرة أبيها". وكان صالح مصلح يحاول إقناعه بتخفيف لهجته، فيقول الرئيس صالح: "دعوه يتكلم"... وعندها يفيض في الكلام مجدداً: "هذا حال شركة النقل البحري... كلها سرقات بسرقات"... إلخ.

كان علي شائع عضواً في لجنة الرقابة الحزبية، وكان يتكلم وكأنه على دراية ومعرفة من الداخل، على حدّ تعبيره. وبين كل اتهام وآخر، وبين كل "ملفّ" شركة وملف آخر، كان ينظر إليّ ويقول مستدركاً، ومستأنفاً كلامه: "يا أيها الأمين العام... عندنا معلومات عن اختلاسات في الشركة الفلانية"، عندها قام حسين الدفعي، وهو وزير حربية سابق بعد قيام ثورة سبتمبر 1962م، بالردّ عليه بالقول، مقتبساً لهجته ومقلداً تعابيره: "يا أيها الأمين العام، نقطة نظام... إنّ الشركة التي يقصدها الأخ شائع لم تقم بعد، لم تتأسس بعد، والفلوس لا تزال في البنك، فمن سرقها؟!". ويضيف، باللهجة "والنبرة" نفسيهما: "كيف تقول إنّ لديك تقريراً عن السرقات؟ ومن أين جئت بتقرير عن شركة ما زالت محض فكرة؟!"، فضحك الجميع... وما لبث أن اتضح أنّ "اللقطات" التي قام بها الأخ علي شائع كانت تعبيراً عن مناخ المزايدات التي كانت تطفو على السطح بين وقت وآخر، من الطرفين. كان هؤلاء يفضلون أن تبقى قوات النظام في صنعاء، في المنطقة التي احتلت، حتى يكون ذلك ذريعة لخوض حرب بين النظامين.


وتابع حديثه"المهم أننا أسكتنا طبول الحرب التي كانت تدقها أقطاب كثر في الطرفين.


خلافات بين من يجب ألّا يختلفوا!

وبحسب شهادة الرئيس الأسبق علي ناصر يقول" و بعد الانتقال إلى صنعاء عقب أحداث 13 كانون الثاني/ يناير، برزت خلافات داخل القيادة الشرعية للحزب والدولة، وظهرت إلى السطح بين قيادات رئيسة. وبعد قرابة سنتين من الوئام، جاءت فكرة ضرورة إعداد ورقة عمل مهمة، اتُّفق على إعدادها أثناء رحلة إلى محافظة حجة، وكان الهدف منها إيجاد رؤية للقيادة الشرعية، وفي الوقت ذاته حلّ خلافات نشأت بينها وبين قيادة النظام في صنعاء بعد وعود كثيرة منذ عام 1986م حتى عام 1988م، بأنّ صنعاء ستقدّم كل أشكال الدعم السياسي والعسكري لإسقاط النظام في عدن، ولكنها لم تقدّم إلّا الوعود، شكلت لتنفيذها عدة لجان عسكرية وسياسية، وعقدت سلسلة من الاجتماعات الطويلة والمملة، وكان ينتهي عمل كل لجنة بتشكيل لجنة أخرى. لم أعرف طوال حياتي مثل هذا الأسلوب من التسويف والمماطلة وسوء النية المبيتة، ولم أجد تفسيراً إلّا أنه كان مقصوداً بحدّ ذاته بغرض التنصل مما وُعدنا به مراراً وتكراراً، ولكن بطرق لا توحي بذلك، ثم تحقيق الهدف الأهمّ وغير المعلن، وهو التفكيك، تفكيكنا من داخلنا بأيدي بعضنا، لأنّ من طبائع الرئيس صالح التي ساد العلم بها وشاع أنه كان لا يدع اثنين على وفاق، ويغضبه ذلك، أو كما قال له في وجهه محمد الفسيل، إنه كالحشرة لا ترتاح إلّا عندما تلسع وتؤذي.


وختم حديثه"نتج من هذا أنْ أُصيب البعض باليأس والإحباط والتوتر والقلق وتبادل الاتهامات، بعد أن وصلنا إلى طريق مسدود، سواء على صعيد تحقيق المصالحة الوطنية مع الطرف الذي حكم الجنوب بعد أحداث 13 كانون الثاني/ يناير، أو السماح للبعض بالعودة إلى الجنوب والعمل فيه، أو العمل لتحقيق الوحدة اليمنية. وكان الذين سبقونا حتى 1986 إلى صنعاء قد مورست عليهم الأساليب والضغوط نفسها، وبعضهم تعرّض للإذلال، وبعضهم استُخدم في أعمال تجسس على الوطنيين الشماليين ــ المعارضة اليسارية والقومية ــ وحتى على إخوانهم الجنوبيين، وفي معارك على الحدود بين الشمال والجنوب، وكل ما طُلب منهم كان لتحقيق مصالح النظام في الشمال وحده في صراعه مع النظام في الجنوب. وقد تفرقت وتمزقت كل الجماعات التي نزحت من عدن إلى صنعاء، وأُصيبت بحالة من الإحباط، وتوزعت بين الولاءات لأجهزة الأمن المعروفة والمستترة وللمسؤولين والمشايخ، بهدف الحصول على دعمهم الشخصي وحمايتهم أثناء فترة إقامتهم طوال تلك السنين.


(للحديث بقية)