حذَّرت الأمم المتحدة من فيضانات واسعة النطاق قد تضرب مناطق عدة في اليمن خلال موسم الأمطار الحالي، في وقت تعاني فيه مناطق أخرى من جفاف حاد يهدِّد الإنتاج الزراعي. وبيّنت المنظمة أن المساحة المزروعة في البلاد مرشحة للتراجع هذا العام إلى أقل من النصف؛ نتيجة تقلبات الطقس وتداعيات تغير المناخ.
وبحسب نشرة الإنذار المبكر الصادرة عن منظمة الأغذية والزراعة، التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن الأمطار الركامية المتوقعة خلال موسم الخريف قد تؤدي إلى فيضانات مفاجئة، خصوصاً في الأراضي المنخفضة الغربية والجنوبية، حيث من المحتمل أن تتجاوز كميات الهطول الحدود القصوى المعتادة.
وأوضحت النشرة أن تشبع التربة بالمياه وغمر شبكات التصريف الطبيعية والاصطناعية سيزيدان من مخاطر الفيضانات، لا سيما في المناطق الواقعة أسفل مستجمعات المياه الجبلية، مما يشكّل تهديداً كبيراً للمجتمعات الزراعية والرعوية التي تعاني أصلاً من هشاشة الأوضاع.
وتشير التوقعات إلى أن معدلات هطول الأمطار ستشتد خلال الشهر الحالي لتبلغ ذروتها في المرتفعات الجنوبية والوسطى والشمالية، مع إمكانية تجاوز المعدلات التراكمية 300 ملم في بعض المناطق. وتؤكد النشرة أن هذه الزيادة قد تتسبب في موجات متتالية من الفيضانات، خصوصاً في الأودية والمناطق المنخفضة المعرضة للخطر.
ووفقاً للتقييمات الأممية، تُصنّف مستويات خطر الفيضانات بأنها مرتفعة في مستجمعَي وادي سردود ووادي سهام، ومتوسطة في وادي رماع ووادي زبيد، ومنخفضة في وادي حرض ووادي بنا ووادي تبن. ومن المتوقع أن تتأثر محافظات الحديدة والمحويت وصنعاء وذمار وريمة بشكل أكبر، مع احتمالية تعرض الأراضي الزراعية والبنية التحتية لأضرار جسيمة.
وتتوقع الأمم المتحدة أن تصل مساحة الأراضي الزراعية المعرّضة لخطر الفيضانات إلى نحو 113522 هكتاراً، وهو ما يمثل نحو 8 في المائة من إجمالي الأراضي المزروعة في البلاد. وتشكل هذه المساحات مصدراً أساسياً لإنتاج محاصيل استراتيجية، مثل الذرة الرفيعة والدخن، ما يجعلها عرضة لخسائر كبيرة تهدد الأمن الغذائي.
وتحذّر النشرة من أن الفيضانات قد تؤدي إلى تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في المناطق التي تصنَّف ضمن المرحلة الثالثة فما فوق من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، حيث تلجأ الأسر المتضررة إلى استراتيجيات تكيف سلبية، مثل تقليل استهلاك الغذاء أو بيع الأصول الإنتاجية.
وأشارت المنظمة إلى أهمية تعزيز أنظمة الإنذار المبكر، وتفعيل خطط الطوارئ، والتخزين المسبق للمساعدات الغذائية والمدخلات الزراعية والبيطرية في المناطق المعرضة للخطر، مؤكدة أن التنسيق بين القطاعات المختلفة أمر ضروري لحماية الفئات الأكثر هشاشة من النزوح وفقدان مصادر رزقهم.
وتوقعت النشرة الأممية أن يشهد اليمن خلال الفترة الممتدة من أغسطس (آب) وحتى أكتوبر (تشرين الأول) تقلبات ملحوظة في درجات الحرارة، حيث ستسجَّل درجات عظمى تقل عن 25 درجة مئوية في المناطق الجبلية المرتفعة، مقابل أكثر من 35 درجة مئوية في شمال حضرموت والمهرة، وكذلك على السواحل المحاذية لتعز ولحج.
وذكرت تقارير الاستشعار عن بعد، إلى جانب بيانات وزارة الزراعة والري اليمنية، أن محاصيل الحبوب - خصوصاً الذرة الرفيعة – كانت حتى يونيو (حزيران) الماضي في مراحل نمو حرجة، لكنها تعاني من إجهاد كبير؛ بسبب نقص الأمطار وتأخر موسمها الرئيسي.
وأوضحت البيانات أن هذه الظروف تسببت في انخفاض رطوبة التربة وزيادة معدلات التبخر، ما أثّر سلباً على المحاصيل الغذائية والنقدية على حد سواء. ومع ذلك، تُشير التوقعات إلى إمكانية حدوث تعافٍ جزئي بين أغسطس وأكتوبر، خصوصاً للمحاصيل متأخرة النضج، مع احتمالية تجدد المراعي في بعض المناطق.
لكن في المقابل، تحذّر النشرة من أن أي زيادة مفاجئة في هطول الأمطار خلال هذه الفترة قد تؤدي إلى فيضانات مدمرة تلحق أضراراً بالأصول الزراعية، وتزيد من خسائر المزارعين الذين يعانون أصلاً من نقص الموارد وغياب الدعم الفني.
وتشير بيانات تحليل دعم الأمن الغذائي العالمي إلى أن مساحة الأراضي الزراعية في اليمن كانت تُقدّر بنحو 2.2 مليون هكتار بين عامي 1990 و2017. إلا أنه وبحلول نهاية يوليو (تموز) الماضي، لم تتجاوز المساحة المزروعة فعلياً 42.8 في المائة من هذه الأراضي، أي نحو941 ألف هكتار فقط.
وتوضح التقديرات الأولية أن إنتاجية المحاصيل في الموسم الحالي قد تشهد تراجعاً، خصوصاً في المناطق الأكثر تأثراً بالجفاف والفيضانات. ومن بين المحافظات التي سجلت نقصاً ملحوظاً في هطول الأمطار وتأخر موسم الزراعة: إب، ولحج، وتعز، والضالع، وذمار، وعمران، حيث وُضعت الحقول تحت ضغط كبير، وارتفعت مخاطر خسائر الإنتاج.
وفي ظل هذه التحديات، يرى خبراء الزراعة أن مواجهة تداعيات التغيرات المناخية في اليمن تتطلب اعتماد تقنيات ريّ أكثر كفاءة، والعودة جزئياً إلى بعض وسائل الري التقليدية التي أثبتت فاعليتها في الحفاظ على المياه.
كما يشددون على ضرورة دعم المزارعين بالمدخلات الزراعية، وتحسين البنية التحتية لشبكات الري والصرف، إضافة إلى توفير برامج تمويل صغيرة تساعدهم على استئناف النشاط الزراعي بعد الكوارث.
وتحذِّر الأمم المتحدة من أن استمرار تراجع المساحات المزروعة وفقدان الأراضي؛ بسبب الفيضانات أو الجفاف، سيؤديان إلى اتساع فجوة الأمن الغذائي، وزيادة الاعتماد على الواردات في بلد يواجه أصلاً أزمة اقتصادية حادة، مما قد يفاقم من معاناة السكان ويهدد الاستقرار المعيشي لملايين اليمنيين.