آخر تحديث :الأربعاء-13 أغسطس 2025-10:14م
أخبار وتقارير

فساد الحوثيين.. من جباية الخُمس إلى تدمير الاقتصاد اليمني

الأربعاء - 13 أغسطس 2025 - 08:29 م بتوقيت عدن
فساد الحوثيين.. من جباية الخُمس إلى تدمير الاقتصاد اليمني
((عدن الغد))خاص

في ظل واقع اقتصادي منهار، ومعاناة متفاقمة يعيشها ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، تتكشف حقائق صادمة عن حجم الفساد المالي والإداري الذي تمارسه قيادات الجماعة، وتحويلها موارد الدولة المنهوبة إلى حسابات شخصية، بينما يظل المواطن البسيط عاجزًا عن تأمين لقمة العيش.


الممارسات الحوثية لم تقتصر على جباية الأموال تحت مسميات دينية أو حربية، بل امتدت لتشمل تخصيص مكافآت ورواتب ضخمة لقيادات الصفين الأول والثاني، في وقت تُدفع فيه رواتب متدنية لمقاتليهم على الجبهات، فضلًا عن سياسات اقتصادية مدمرة وصلت آثارها إلى البحر الأحمر وتسببت في عزلة اقتصادية خانقة.


منذ سنوات، فرض الحوثيون ما يسمونه “الخُمس” على كل اليمنيين في مناطق سيطرتهم، باعتباره – وفق خطابهم – التزامًا دينيًا، لكنه في الحقيقة أداة ابتزاز اقتصادي تهدف إلى تمويل أنشطة الجماعة الطائفية وحروبها. هذا الخُمس يُحصَّل حتى من أفقر الفقراء، وتجمع عبره مليارات الريالات التي لا تُصرف على الخدمات العامة، بل تُحوَّل لجيوب القيادات والمشاريع الطائفية. ومع ذلك، يستمر الحوثيون في فرض ضرائب وجبايات إضافية تحت مسميات متعددة مثل “المجهود الحربي” و”الفعاليات الدينية”، ما يفاقم معاناة المواطنين.


في المقابل، ينال قادة الصف الأول والثاني مكافآت ورواتب شهرية تصل إلى ملايين الريالات، تُقتطع من عوائد المؤسسات الإيرادية التي سيطروا عليها. هذه الأموال تُصرف على الامتيازات الشخصية، وشراء القصور الفارهة، والسيارات الفاخرة، وإنشاء الشركات الاستثمارية. في غضون سنوات قليلة، تحولت هذه القيادات من مقاتلين في جبال صعدة إلى طبقة ثرية تتحكم في مفاصل الاقتصاد داخل مناطق سيطرتهم.


أما المقاتلون اليمنيون في صفوف الحوثي، فهم وقود الحرب. يُزج بهم في الجبهات مقابل رواتب هزيلة لا تكفي لتأمين وجبة يومية، بينما يعيش أبناء القيادات في رفاهية مطلقة، يتعلمون في أرقى المدارس والجامعات الخاصة، وتتوفر لعائلاتهم أفضل الخدمات الصحية. بعد مقتل المقاتل، تُترك عائلته تواجه الفقر والجوع بلا أي دعم يُذكر.


الفساد الحوثي يمتد أيضًا إلى استغلال الأزمات المعيشية. فقد تحولت الجماعة إلى أكبر تاجر في السوق السوداء، تفتعل أزمات الوقود والغاز، وتحتكر استيرادهما وبيعهما بأسعار مضاعفة، لتحصد المليارات على حساب معاناة الناس. كما تُنهب المساعدات الإنسانية التي يقدمها المجتمع الدولي، وتُباع في الأسواق بدلاً من توزيعها على المحتاجين، ليجد المواطن نفسه محاصرًا بالجوع فيما يمتلئ مخزون المشرفين الحوثيين من هذه المساعدات.


المصادرة الممنهجة للممتلكات باتت سياسة حوثية ثابتة، حيث استولى ما يُسمى بـ”الحارس القضائي” على آلاف المنازل والأراضي والشركات والمصانع والمستشفيات، وحولها إلى مشاريع استثمارية لصالح القيادات. تقديرات اقتصادية تشير إلى أن هذه المصادرات تجاوزت قيمتها 3 مليارات دولار، في واحدة من أكبر عمليات السطو المنظم على ممتلكات اليمنيين في التاريخ الحديث.


على الصعيد الإقليمي، ارتكبت الميليشيا الحوثية سلسلة من الهجمات الإرهابية في البحر الأحمر استهدفت السفن التجارية، ما تسبب في فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على شركات ومؤسسات مالية يمنية، وأدى إلى هروب الشركات الدولية، وتراجع الاستثمار، وخسارة آلاف الوظائف. كما تضررت البنية التحتية للموانئ والمطارات، وهو ما انعكس بشكل مباشر على حياة المواطن اليمني الذي يدفع وحده ثمن هذه السياسات العدائية.


عوائد شركات الاتصالات في مناطق سيطرة الحوثي تمثل مثالًا آخر على الفساد، إذ يتم تحويل مليارات الريالات شهريًا إلى حسابات خاصة، وتستخدم لتمويل الحرب والتجنيد، بدلاً من تحسين خدمات الاتصالات أو دفع رواتب الموظفين المنهوبة. كما كشفت تقارير عن تورط الحوثيين في تجارة المخدرات والممنوعات، في تكرار لتجربة النظام السوري في استخدام هذه التجارة غير المشروعة لتمويل العمليات العسكرية والإرهابية.


كل هذه الممارسات أوجدت اقتصادًا موازيًا خارج الإطار الرسمي، قائمًا على غسل الأموال وتهريب العملة الصعبة إلى الخارج، ما أدى إلى تفاقم انهيار العملة المحلية وارتفاع جنوني في الأسعار. سيطرة الحوثيين على شركات الصرافة والمصارف، واحتكارهم للعملات الأجنبية، جعلت السوق اليمنية رهينة مضارباتهم، لتتعمق الأزمة الاقتصادية أكثر فأكثر.


ما يجري في مناطق سيطرة الحوثي لم يعد مجرد فساد مالي، بل أصبح منظومة متكاملة من النهب المنظم، تدار بعقلية ميليشياوية لا تعترف بالقانون أو مصالح الشعب، وتوظف الدين والسياسة كغطاء لسرقة موارد اليمن وتحويلها إلى أدوات للهيمنة والاستبداد. وفي ظل غياب أي مساءلة أو ضغط حقيقي لوقف هذه الانتهاكات، يظل المواطن اليمني هو الخاسر الأكبر، يدفع من قوته اليومي ثمن حرب لا نهاية لها، وفساد لا حدود له.