"ميدان الشهداء" اسم الملعب الرياضي الرئيس في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، ومن بين قصصه التحوّل من ساحة للإعدام إلى ملعب يضجّ بالحياة، وترافق هذا التحوّل مع تغيّر جذري في النظام السياسي في اليمن.
خلال فترة الحكم الإمامي بين عامي 1918 و1962، عُرف الميدان الذي يقع شرقي مدينة تعز باسم "العرضي" نسبةً إلى المنطقة التي تضمه، والتي يوجد فيها قصر الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، والذي حكم اليمن بين عامي 1948 و1962، واتخذ من مدينة تعز عاصمة لحكمه.
أمضى الإمام أحمد قبل توليه الحكم عشر سنوات أميراً للواء تعز، واختارها عاصمة لحكمه فور توليه حكم المملكة المتوكلية خلفاً لأبيه، واختار حي العرضي مقراً لحكمه، وتحديداً القصر الذي يضم إدارة الخزانة ومحكمة الاستئناف، وبالقرب منه يوجد طاحون للحبوب، وإسطبل خيول، ومسجد، والأهم ميدان العروض العسكرية "العرضي"، والذي كان بمثابة متنفس لأنشطة الإمام أحمد ومملكته، وكانت تنظم فيه العروض العسكرية في مناسبات، مثل عيد النصر ويوم الجلوس وغيرها، إضافة إلى احتفالات دينية، كما كان يستقبل بعض الألعاب والاستعراضات التي تنظم للترويح عن الإمام وحاشيته.
وبسبب المساحة الشاسعة لميدان العرضي وقربه من القصر، حوّله الإمام أحمد إلى ساحة لتنفيذ أحكام الإعدام بحق الثوار، والتي كان يشرف عليها بنفسه، وتحصل أمام حشود من الناس كانت تتجمع في الميدان لترهيبها وتحذيرها من الثورة ضد نظام حكم الأئمة.
وشهد الميدان إعدام العديد من الثوار، أبرزهم المقدم أحمد يحيى الثلايا الذي كان قائداً للجيش، وقاد انقلاباً في عام 1955 ضد الإمام، استمر عشرة أيام، ثم أحبط، وألقي القبض عليه، وأعدم في 13 إبريل/ نيسان من العام نفسه.
واشتهرت إعدامات الأئمة للثوار بتنفيذها على أيدي أحد جنود الإمام الذي يحمل لقب "وشاح"، ويتولى قطع الرؤوس بالسيف.
وبعد ثورة 26 سبتمبر/ أيلول 1962، والتي أطاحت الحكم الإمامي تمهيداً لإعلان النظام الجمهوري، تغير اسم ميدان العرضي إلى ميدان الشهداء لتخليد شهداء الثورة الذين أعدموا فيه، كما أطلق اسم 26 سبتمبر على شارع قريب منه، وجرى تغيير أسماء جميع المعالم المحيطة بالميدان الذي افتتح مرحلة الثورة الوليدة بأحداث خالدة.
لاحقاً، صار ميدان الشهداء يعجّ بالفعّاليات المرتبطة بالثورة والنظام الجمهوري، وفي 23 إبريل 1964، استقبل الميدان أهم فعّالية عرفتها تعز في القرن العشرين، وتمثلت في زيارة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، ضمن محطات زيارته إلى اليمن، والتي شملت أيضاً صنعاء والحديدة. حينها، احتشد أبناء تعز من مختلف الفئات العمرية لتحية عبد الناصر الذي وقف في الميدان وألقى خطاباً تاريخياً وحوله قيادات ثورة سبتمبر، وقال عبارة خالدة مخاطباً بريطانيا التي كانت تحتل الشطر الجنوبي من اليمن: "على العجوز الشمطاء بريطانيا أن تحمل عصاها وترحل عن عدن والجنوب المحتل".
وفي كنف النظام الجمهوري انحاز الميدان الأبرز والأشهر في تعز لقيم الحياة، وكل ما يتصل بها، واكتسب شهرته من رمزيته في عهدين متناقضين في كل شيء مثلا الظلام البائد والنور الذي يزداد تألقاً كلما كبرت الجمهورية الوليدة.
في عام 1977 تحوّل ميدان الشهداء إلى ملعب رياضي يستضيف مسابقات رياضية واحتفالات ومهرجانات، وفعّاليات جماهيرية مختلفة تجمع أبناء المدينة، وتبث فيهم مشاعر الحياة.
وخلال الحرب الأخيرة نال الميدان نصيبه من قذائف جماعة الحوثيين التي أمطرت المدينة، ما أتلف عشبه الاصطناعي ودمّر أجزاء من المدرجات، ما أدى إلى إغلاقه ثلاث سنوات، ما كرّس الحقبة الأسوأ في تاريخه بعدما اجتاح الحوثيون تعز، ودمّروا معالمها البارزة، ومنها الملعب التاريخي.
وبعدما ظل الملعب العريق الذي كانت تتوافد إليه الجماهير الرياضية منذ الظهيرة لحجز مقاعدها باكراً وحضور مباريات كرة القدم، خاوياً حتى سلمه الجيش اليمني الى مكتب الشباب والرياضة بمحافظة تعز، افتتح مجدداً بعد إعادة تأهيله عام 2018، في إطار خطوات اتخذتها إدارة المحافظة لتطبيع الحياة في المدينة التي عانت من ويلات الحرب، وعادت الحياة تدريجياً إلى الميدان الذي استضاف عدداً من الاحتفالات والمهرجانات الجماهيرية، ومباريات كروية بين أندية المحافظة في ظل توقف الدوري منذ بداية الحرب.
وهكذا أصّر أبناء مدينة تعز، على وقع الحرب، على خلق فرصة جديدة للتنفيس عن واقعهم المر، ومتابعة متع الحياة مهما كانت صغيرة، ونجحوا في إيصال رسالة تفيد بأن رغبة الحياة في قلوب سكان المدينة أقوى من رغبة الموت في قلوب من يفرضون الحصار عليها.
واستمرت الجهود الهادفة إلى إعادة الحياة إلى ميدان الشهداء الذي طالما منح أبناء تعز كل معاني الحياة ومظاهرها. وهو يستضيف بطولات رياضية على مستوى المحافظة في وقت لا يزال عرضة لقذائف جماعة الحوثي التي تتساقط عليه أحياناً نتيجة قربه من خطوط التماس بين المواقع العسكرية التابعة للجيش الوطني وتلك للحوثيين، لكن أبناء المدينة يتمسكون بحب الحياة بقدر ما يستطيعون، وهو ما صنعه الميدان الذي شهد تحولات سياسية خلال مراحل تاريخ اليمن الحديث.
وبالنسبة إلى أبناء تعز يجسد ميدان الشهداء تقديرهم الكبير لتضحيات الأبطال الذين ارتقوا دفاعاً عن الوطن في مختلف المحطات، وتمسكهم بالمشروع الوطني وبأهمية دعمه ومساندته للسير على درب الشهداء الأبطال الذين انتصروا على التخلف والرجعية الإمامية وسينتصرون على المليشيات باصطفاف كل اليمنيين خلف القيادة السياسية وتوحيد كل الجهود والطاقات للقضاء على مليشيات الحوثيين.
وتؤكد وزارة الشباب والرياضة في الحكومة الشرعية باليمن اهتمامها بجعل تعز مركزاً شبابياً ورياضياً بارزاً، استناداً أيضاً إلى إرثها الرياضي وثقلها كبير على مستوى الجمهورية اليمنية".
وخلال تدشينه العمل في فرش أرضية ميدان الشهداء بعشب اصطناعي في فبراير/ شباط 2024، أكد وكيل قطاع المشاريع في وزارة الشباب والرياضة محسن علي بيبك، أن "فرش العشب الاصطناعي في ملعب الشهداء يأتي ضمن مشاريع كثيرة للبنى التحتية تنفذها الوزارة في محافظات محررة عدة من بينها لحج وأبين والضالع".