آخر تحديث :الجمعة-18 يوليو 2025-09:08م
حوارات

في غياب الدولة... مجمع النصر يصنع مستقبل التعليم في يافع (حوار)

الجمعة - 18 يوليو 2025 - 05:52 م بتوقيت عدن
في غياب الدولة... مجمع النصر يصنع مستقبل التعليم في يافع (حوار)
حاوره: حسين السعدي

مقدمة:

في زمن تتكالب فيه الأزمات على أوطانٍ تنهض من ركام الإهمال، تبرز مبادرات أهلية تعيد للتعليم روحه، وللمجتمع كرامته. "مجمع النصر التربوي والتعليمي" في لبعوس – يافع، ليس مجرد مدرسة، بل حكاية صمود، ومشروع وعي جماعي، يواجه الإهمال بجدارة، والتهميش بالعزيمة. في هذا الحوار، نسلّط الضوء على التجربة من خلال حديثنا مع الدكتور **صالح يحيى صالح دقش**، المشرف العام على المجمع، الذي كشف عن تفاصيل المشوار، التحديات، والآمال.

1. في ظل سياسات التهميش بعد 1994، هل رسمتم استراتيجية لإعادة التعليم إلى مجده السابق؟

منذ البداية، أدركنا أن الحرب على التعليم ليست قرارًا سياسيًا عابرًا، بل محاولة ممنهجة لطمس الوعي وسلب الهوية. لذلك، جاء ردّنا عبر البناء والتعليم وتشكيل جيل مقاوم للطغيان والجهل.

استلهمنا من ماضينا الجنوبي قيم الانضباط والمعرفة النزيهة، ودمجناها برؤية حديثة تجمع بين الصرامة والانفتاح. استراتيجيتنا تضع الطالب مشروع نهضة، والمعلم عمودًا روحيًا، والمجتمع شريكًا فاعلًا لا مجرد ممول.

2. ما أبرز المعوقات التي تواجه المجمع اليوم؟

المعوقات كثيرة، لكننا لا نعتبرها مبررًا للتراجع. أكبر التحديات هو غياب التوظيف الرسمي، فنُدير مؤسسة بحجم دولة بكوادر متطوعة تعيش على الحماس والإيمان فقط.

رغم عدم وجود ميزانيات حكومية أو دعم رسمي، لا يزال الصف مفتوحًا والعلم يُرفع، بفضل تضامن الأهالي الذين تكفّلوا برواتب أكثر من 70 موظفًا. لكننا نواجه مشكلات في البنية التحتية، ضيق الفصول، ونقص الوسائل التعليمية.

3. كيف واجهتم ظاهرة الغش المتفشية في التعليم؟

تعاملنا مع الغش كثقافة مَرَضية، لا كمخالفة فردية. أعدنا تعريف الامتحان كمقياس ضمير لا وسيلة نجاة. شعارنا: "لا قيمة لنجاح لا يُعبّر عن جهد"، فطبقناه عبر الرقابة الصارمة، والأنشطة التي تعزز الصدق.

أدخلنا قيم النزاهة في صلب الثقافة المدرسية من خلال المسرح، الإذاعة، والنشاطات، حتى أصبحت النزاهة سلوكًا لا شعارًا.

4. هل تتلقون أي دعم رسمي من التربية في المديرية أو المحافظة؟

للأسف، لا يوجد دعم ملموس. لا تعيينات، ولا ميزانيات، ولا متابعة مستمرة. هناك زيارات بروتوكولية فقط.

الاعتماد الحقيقي كان على المغتربين وأبناء المنطقة، وهم من رفعوا هذا الصرح بأكتافهم. هذه المؤسسة وُلدت من وجدان الناس، وليس من ميزانية الدولة.

5. وماذا عن دعم المنظمات؟

العلاقة مع المنظمات لا تزال محدودة وخجولة. الموقع الجغرافي ربما جعلنا خارج دائرة الاهتمام. تواصلنا مع بعض البرامج مثل "تطوير التعليم"، لكن الإجراءات المعقدة كانت محبطة.

نوجّه نداءً صريحًا: تعالوا وعاينوا، نطلب فقط الإنصاف، لا المعجزات. الإنجاز هنا حقيقي، ومرحبون بالتعاون الجاد.

6. ما دور رجال الأعمال في دعم المجمع؟

رجال الخير من يافع هم العمود الفقري للاستمرارية. الدعم ليس موسميًا، بل نابع من شعور بالمسؤولية. بعضهم بنى فصولًا، وآخرون تكفّلوا بالرواتب أو بالأنشطة.

هناك من يرسل تبرعاته شهريًا من المهجر، دون أن نطلب. هؤلاء هم الشركاء الحقيقيون في هذا المشروع الوطني.

7. ماذا يمثل لكم مجلس الآباء؟

مجلس الآباء ليس إطارًا شكليًا، بل شريك استراتيجي في القرار والتنفيذ. هم الحاضرون دائمًا في التحديات، والمتابعون للغياب، والداعمون عند الأزمات.

عندما يحتاج الطالب إلى زي، أو المعلم إلى علاج، يكون المجلس أول من يبادر. لقد أصبحوا الروح الحيّة للمجمع.

8. كيف تُحيون الحياة الطلابية داخل المجمع؟

نؤمن أن التعليم حياة لا تلقين. لذلك، نظمنا أنشطة ثقافية، مسابقات، عروضًا مسرحية، وبطولات رياضية. ربطنا التعليم بالوطن، بالهوية، وبالواقع.

الطالب هنا لا يحفظ فقط، بل يعيش التجربة، ويمارس الانتماء والوعي من خلال الأنشطة اليومية.

9. سؤال كنت تتمنى أن يُطرح؟

كنت أتمنى أن يُطرح: **ما الذي جعل هذا الصرح يستمر رغم كل الرياح؟** والجواب: لأننا نؤمن. إيماننا أن التعليم عهد لا وظيفة، ورسالة لا وظيفة حكومية. بنيناه بالحب، بالصبر، وبضمائر لا تخضع للإملاء السياسي. التعليم في مجمع النصر هو أعظم عمل مقاوم في زمن التهميش.

10. ما هي تطلعاتكم لمجمع النصر؟

نحلم بمجمع نموذجي يُحتذى به جنوبًا. نريد قاعات ذكية، مختبرات علمية، أندية فكرية، وبرامج تدريب مستمر. نريد أن نخرّج طالبًا مفكرًا، واثقًا، مسؤولًا، مواطنًا صالحًا.

هدفنا أن يتحول المجمع إلى مركز إشعاع تربوي، يزوره التربويون كمنارة للتعلّم من قلب الصعوبات.


11. كلمة أخيرة؟

رسالتي: التعليم هو سلاحنا الأنجع، ومفتاح النهضة. إن أردنا وطنًا حرًّا، فلنصنع مدارس لا تُشترى. مجمع النصر هو فرصة، لا معجزة. وأي جهد، صغيرًا كان أو كبيرًا، قد يُحيي حلمًا أو يثبّت جدارًا.

ختامًا: كل الشكر والتقدير للدكتور صالح يحيى صالح دقش ، المشرف العام على مجمع النصر التربوي والتعليمي – لبعوس – يافع، على هذا الحوار الذي يحمل في طيّاته أكثر من تجربة تعليمية، بل حكاية كفاح تستحق أن تُروى وتُحتذى.