كل شيء ساكن في أرجاء البيت الواسع إلا من صرخاته بين الحين والأخر وهو في حالة من الإنفعال مع ألعاب الذكاء الإصطناعي الممتلئ بها جواله حتى بات يعيش عزلة أسرية عن والديه وأخته الصغيرة وأخوه يقضي جل ساعات يومه منعزل عن كل من حوله ألا جواله والألعاب التي يحتويها بل هي من باتت تحتويه وتسلبه ممن حوله حتى جلوسه على مائدة الطعام أصبح من الأمور النادرة وأن أحس بالجوع يأتي إلى مائدة الطعام مختطف لقيمات على عجل حتى يعود سريعا لالعابه التي لا يستطيع الأبتعاد عنها ليعود لحالة العزلة عن محيطه ويبقى مع رفقة العاب الجوال حتى يغوص في الصمت فلا يسمع إلا همسه مع لاعبين من أماكن مختلفة لا يعرفهم إلا عن طريق شبكة النت وفي أحيان يرتفع صراخه إعلانا عن خسارة أو فوز وغالبا ما يعود لسكونه من جديد وكلما نادته أمه ليقوم بمهمة منزلية او دعوته إلى الطعام يتجاهل كل النداءات:
أين أنت ياولد؟
الطعام جاهز هي أقبل لتناول وجبة الغذاء
وتكرر الأم النداء مرات كثيرة وربما تحجج بعدم رغبته في تناول الطعام أو أنه يحس بالشبع،:
أمي أنا شبعان
الأم تحاوره:
ماذا أكلت .. هيا اقبل إلى هنا لتأكل حتى لقمات قليلة .. سوف تمرض
يقبل على مضض ليتناول لقيمات وينطلق سريعا لصحبة الجوال.
يهمس الأب للام قائلا:
لقد وصل الحال بولدنا مبلغ حد الإدمان
مستغربة من كلام الأب تجيب الأم في تساؤول ؛
أي إدمان.. تقصد إدمان المخدرات
يحاول الأب توضيح الأمر للام ،:
ليس كل إدمان يعني محرم أو مضر بل الأفراط في التعامل مع الأشياء حتى النافعة يعد إدمان حتى تتحول الأشياء النافعة إلى شيء ضار قد يسبب الهلاك لصاحبه
في قلق وبنبرة صوت الأم التي اختلطت بالخوف على ولدها :
إذ نمنعه من استخدام الجوال واللعب بهذه الالعاب
تدخل الأبنة مسرعة نحو والديها تبكي وتصرخ:
ابي.. أمي
يتدخل الأب ليستفهم عن سبب البكاء:
لماذا أنت باكية صغيرتي الجميلة:
عصافيري تركوا اقفاصهم وطاروا بعيدا
تعود للبكاء وهي تصرخ:
كيف ستكون حياتي من غير أن ارى عصافيري
يحاول الأب تهدأت الطفلة التي تعلقت كثيرا بعصافيرها حتى باتت تقضي معظم الوقت إلى جانب الاقفاص وهي تطعمها وتذاعبها وكلما كانت إلى جوارهم أحست بالراحة والمتعة والسعادة:
سنشتري غيرهم .. لكن أريد اخبارك عصافيرك فعلوا الافضل لهم فهم يعشقون الفضاء الواسع والطير إلى جانب أسراب العصافير.
وهي تبكي وتمسح الدموع لكني لا استطيع العيش دون رؤيتهم فحياتي دونهم ناقصة
يحاول الأب تصويب بعض مفاهيم ابنته،،:
أنت وقعت بالخطاء إذ جعلت حياتك بل كل حياتك من أجل شيء معين وهم العصافير لكن عصافيرك يستطيعون العيش من دونك وربما ستعود حياتهم إلى طبيعتها وهم يشعرون بالندم على الفترة التي قضوها إلى جانبك فقد عادوا لفطرتهم الطيران في الفضاء الرحب.
الفتى المراهق يسير مسرعا يتجول في انحاء المنزل وهو يبحث عن جواله الذي اخفته والدته في حالة من الدعر والخوف والقلق البادين على ملامح وجه وجسده المرتعش وعيناه الحائرتين بنظراتهما الثاقبة تبحث في كل مكان عن الجوال يقرع الباب تأمره والدته بفتح الباب للطارق ولكنه يمتنع بحجة أنه منشغل بالبحث عن جهازه:
أمي ألا ترين أني منشغل يالبحث عن جوالي
يتحدث الاب محاولا إخفاء انفعاله نحو تصرف ولده:
جميعنا سنبحث عن جوالك
مازال المراهق الصغير يرفع صوته طالبا البحث عن جواله حتى يتسنى له الخوض في لعبته مع رفاق النت يغادر المنزل يرتفع صوت الباب عندما تلتقي دفتي الباب تصرخ أمه:
أين أنت ذاهب عد يا ولد
تدخل الجدة تلقي السلام على الحاضرين المجتمعين في غرفة الجلوس،،،:
السلام عليكم .. كيف حالك ابنتي وكيف حالك صهري
تبادر الأم بسؤال الجدة:
أين أبي،،؟,لماذا لم يأتي
تجيب الجدة:
تعرفين إن والدك لا يترك البيت إلا بعد أن يتفحص الصحف التي يقرأها حتى ينهيها مع كوب شاي الحليب برائحة الهيل والقرنفل والجوز وبعد أن يكمل الطقوس سوف يأتي
تسأل الجدة عن سبب انزعاج ولدهم المراهق:
لماذا خرج ولدنا منفعل وهو يصرخ
تجيب الأم عن تساؤول الجدة وهي مبدية قلقها عن أحوال المراهق الصغير:
قام والده بإخفاء جواله حتى يخفف من إدمانه على اللعب بالعاب الجوال بعد أن أصبحت هاجسه طوال يومه ليل نهار.
الجدة معترضة على طريقة العلاج :
لابد أن يكون التخفيف تدريجي لا ان يكون دفعة واحدة لأن ذلك قد يسبب للولد انهيار
في قلق تتسأل الأم:
أمي ماذا تقصدين ،؟ هل ممكن أن يضر ولدي نفسه لهذا السبب,
تحاول الجدة تهدأت روع الأم :
لقد تقلقي ابنتي .. سوف تكون الأمور أفضل
الأم تستدعي الأب طالبة منه البحث عن الولد المراهق الذي خرج غاضبا:
عليك البحث عن الولد.
الأب على ثقة أن ولده سوف يتجاوز محنة إدمان الجوال وهم يقفون جميعا إلى جانبه لتجاوز هذه المرحلة الصعبة.
كان الأب على علم أن ولده لم يغادر المنزل بعيدا وأنه مختبئ في غرفة من غرف المنزل لهذا كان يتعمد رفع صوته بما سيتحقق لولده مقابل التخفيف من استخدام العاب الجوال والإدمان عليها:
سيكون برنامجنا في الإجازة رحلات إلى أماكن مفتوحة ساحلية وإلى بعض المناطق في مرتفعات البلاد الزراعية وله أن يصطحب من يشاء من رفاقه بعد موافقة اهاليهم.
كان الولد المراهق أبن الخامسة عشر يستمع بشغف إلى وعود والده وهو متوارئ في إحد غرف المنزل إعلانا لرفضه ما اتخذه والديه من قرار منعه اللعب بالعاب النت لكنه تعمد الإستمرار في الإختفاء حتى يشعر والديه بالخوف عليه وهو في ذلك يعلنا بلسان حاله أنه أصبح شاب مستقل له حرية تحديد طريقة حياته.
تجتمع الأسرة على مائدة العشاء محاولين إبداء تجاهل غياب ولدهم الأمر الذي دفع الشاب إلى الخروج والتسلل إلى مائدة الطعام بعد أن أصابه الجوع وهو يقترب من والده قائلا:
أبي هل مازلت عند وعودك؟ في برنامج رحلات الصيف
يبتسم الأب ويتهلل وجه الأم والجدة وهما يدعوان المراهق الصغير:
هيا تقدم نحو الطعام الذي تحبه وتشتهيه.
يحدث الأب ولده وهو يبشره بإنه سوف يعيد له جواله بشرط استخدامه في أوقات محدودة وعليه أن يضع وقت لواجباته المنزلية والمدرسية وممارسة الالعاب البدنية والاهتمام باوقات الصلاة وقراءة القرأن.
يتهلل وجه الابن وهو يتقدم ليقبل رأس والده وأمه وجدته ويجلس على مائدة العشاء ليتناول الطعام الذي يحبه .
يقرع جرس الباب يسرع المراهق لفتح الباب وهو يرحب بوصول الجد:
اهلا جدي
يعانقه ويقبل راسه وهو يعلن عن وصوله:
لقد وصل جدي
الاب يرحب بوصول الجد:
اهلا عمي لقد جئت في الوقت المناسب
ترتفع ضحكات الأسرة بعد أن عاد السكون والدفء ليملا جنبات المنزل الصغير فرحة وسرور بتجاوز عقبة من عقبات التربية للابناء
عصام مريسي