آخر تحديث :السبت-17 مايو 2025-03:59م
أخبار وتقارير

قوى سياسية تحاول الركوب على ظهر الاحتجاجات الشعبية في عدن: هل يعيد التاريخ نفسه في ساحة العروض؟

السبت - 17 مايو 2025 - 11:09 ص بتوقيت عدن
قوى سياسية تحاول الركوب على ظهر الاحتجاجات الشعبية في عدن: هل يعيد التاريخ نفسه في ساحة العروض؟
(عدن الغد) خاص:

تحليل سياسي – صحيفة عدن الغد


تشهد مدينة عدن موجة جديدة من الغضب الشعبي، تتجلى في احتجاجات سلمية بدأت بالنساء وتوسعت لتشمل دعوات واسعة النطاق لتظاهرات شعبية يقودها المواطنون دفاعًا عن حقهم في حياة كريمة وخدمات أساسية مفقودة. ومع تصاعد زخم هذه التحركات، بدأت تلوح في الأفق مؤشرات واضحة على محاولات قوى سياسية للركوب على ظهر هذا الحراك الشعبي، في مشهد يعيد إلى الأذهان تاريخًا طويلًا من "الاختطافات السياسية" التي لطالما أجهضت أصوات الناس وأفرغت احتجاجاتهم من مضمونها.


الشارع العدني الذي يئن تحت وطأة انقطاعات الكهرباء، وتدهور الخدمات، وارتفاع الأسعار، وانهيار العملة، لم يعد يصبر كثيرًا على المراوغات، وقد خرج بحالة من السخط النقي، بعيدًا عن الحسابات الحزبية والأيديولوجية. لكن هذه النزاهة الشعبية لم تُعجب بعض القوى التي رأت في الحراك فرصة لتسجيل نقاط سياسية، أو لتوجيه الرسائل تحت عباءة الغضب الجماهيري.


بدأت بعض الأطراف، المعروفة بانتماءاتها الفئوية أو السلطوية، بالتحرك داخل أوساط المحتجين، سواء عبر التصريحات أو الدعم الخفي، بهدف احتواء الموجة وتوجيهها لخدمة أجندات بعيدة كل البعد عن المطالب المعيشية المباشرة للمواطن العدني.


منذ انطلاق الاحتجاجات النسوية في ساحة العروض بخور مكسر، بدت الساحة وكأنها عادت إلى جذورها الشعبية، بعيدًا عن أي وصاية حزبية. إلا أن تحركات بعض القوى، ومحاولات تسويق شعارات محددة داخل الحراك، وفرض رموز بعينها لتمثيله، تعيد التذكير بتجارب سابقة شهدتها عدن، حيث تم تفريغ الاحتجاجات من مضمونها وتحويلها إلى أدوات تفاوضية أو أوراق ضغط لصالح أطراف محددة.


إذا استمر هذا النهج، فقد تنزلق الساحة مجددًا إلى حالة من الاستقطاب السياسي، يُفقدها روحها الشعبية التي منحتها الزخم والمصداقية منذ اللحظة الأولى.


أخطر ما قد تواجهه الاحتجاجات في عدن اليوم هو تحويلها من حركة مطلبية إلى أداة صراع سياسي. فبدلًا من أن تبقى ساحة لتجسيد الألم الجماعي، قد تصبح ساحة لتصفية الحسابات، وتوجيه الرسائل السياسية في لحظة وطنية حرجة.


وقد شهدت عدن في السنوات الأخيرة أكثر من تجربة احتجاجية تم تفريغها بهذه الطريقة، حيث دخلت قوى سياسية بثقلها لتنصّب نفسها ممثلًا للشارع، وسرعان ما تحوّلت المطالب إلى منابر خطابية تُستخدم في المفاوضات أو تُقايض بالمكاسب.


ببساطة، يطالب الشارع اليوم بشيء واحد: العيش الكريم في ظل دولة تحترم حقوقه وتوفر له الحد الأدنى من مقومات الحياة. يريد كهرباء، ماء، رواتب، بيئة آمنة، ومؤسسات فاعلة. لا يريد وصاية سياسية، ولا قيادة احتجاجات باسم كيانات تسعى لتحقيق مكاسب على أنقاض معاناة الناس.


إن استمرار استخدام معاناة المواطن في عدن كورقة سياسية لا يضعف فقط الاحتجاجات، بل يعمّق الفجوة بين المواطن والنخبة، ويُفقد الشارع ثقته بأي تحرك مستقبلي.


إذا كانت القوى السياسية جادة في دعم مطالب الناس، فعليها أن تتراجع إلى الخلف وتترك المجال للشعب ليُعبّر عن نفسه. أما محاولة تبنّي الحراك أو توجيهه، فلن تؤدي سوى إلى إرباك المشهد، وتحويل الزخم إلى فوضى لن تخدم أحدًا.


الرسالة التي يجب أن تُفهم جيدًا هي أن الشارع في عدن ليس بحاجة إلى من يقوده، بل إلى من يحترم صوته ويستجيب لمطالبه. وأي اختطاف سياسي جديد لن يكون مجرد تكرار للماضي، بل سيكون نكسة مؤلمة لحاضر يُفترض أنه لحظة نضج ووعي شعبي استثنائي.


عدن أمام مفترق طرق جديد. فإما أن تكون ساحة العروض منبرًا حرًا يعبر عن آلام الناس وآمالهم، أو تتحول مجددًا إلى ساحة صراع سياسي تتقاسمها القوى والنزاعات. والفيصل في ذلك سيكون وعي الشارع، وصلابة موقفه، ورفضه التام لأي وصاية أو ركوب سياسي على مطالبه المشروعة.