آخر تحديث :الأربعاء-31 ديسمبر 2025-06:21ص

عامٌ يرحل... وآخرُ يطلّ شهادةٌ على العصر من قلبِ اليمن

الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - الساعة 09:47 م
علوي سلمان

بقلم: علوي سلمان
- ارشيف الكاتب


ها هي أيام عام 2025م تنقضي مسرعةً، كأنها ومضةٌ في سجلّ الزمن، ونحن على مشارف عامٍ جديد، 2026م، يحمل في طياته ما يحمل من تنبؤاتٍ سارةٍ قد تُبهج الروح، أو محزنةٍ قد تُثقل الكاهل. فالعام الجديد، في حقيقته، ليس إلا امتداداً للسنوات التي مضت، بما فيها من أفراحٍ وأتراح، وصراعٍ ومشاكل، وكل ما تحويه الحياة من تناقضات. إنه ليس منزلاً من السماء يحمل لنا البشرى والرزق الوفير، ويغدق علينا من الخير والعطايا والهدايا الجمة، بل هو نسيجٌ محبوكٌ بخيوط ماضينا، فمن لا ماضي له، لا حاضر له، ولا مستقبل يرجوه.


تتسابق الأفكار في مخيلتي، تتزاحم الذكريات، لعلها تختصر أحداث عامٍ كاملٍ بتعاستها ومرحها، بنجاحها وفشلها، بحلوها ومرها.


على المستوى الشخصي والعلمي، كان عام 2025م شاهداً على لحظةٍ فارقةٍ في مسيرتي. فبفضل الله وتوفيقه حصلتُ على درجة الماجستير بتقدير امتياز من جامعة صنعاء العريقة. كانت تلك اللحظة بمثابة غيثٍ روى ظمأ سنواتٍ من الجدّ والاجتهاد والسهر، فاستبشرتُ بها خيراً عظيماً، واحتفلتُ بها داخل أروقة الجامعة مع أفراد أسرتي الكريمة، وحضور أصحابي من الشباب والطلاب من أبناء محافظة الضالع، وبعض الزملاء والزميلات الكرام الذين شاركوني درب الماجستير. لقد سجلتُ هذا الحدث كعلامةٍ مضيئةٍ وهامةٍ في تاريخ حياتي ومسيرتي العلمية، وها أنا الآن أواصل الدرب، بنفس الشغف والعزيمة، لتحقيق هدفٍ علميٍ أرفع، ألا وهو درجة الدكتوراه. ورغم أنني تجشمتُ في سبيل ذلك عناء السهر الطويل، والجدّ المتواصل، والاجتهاد الدؤوب، إلا أن كل ذلك التعب تلاشى وتبدد في أول ساعةٍ من حضور تكريمي بهذه الدرجة العلمية.


أما على المستوى الجمعي والاجتماعي، فقد حمل العام المنصرم أفراحاً وأحزاناً متداخلة. فبفرحةٍ غامرةٍ، زففتُ إحدى بناتي إلى عش الزوجية، سائلاً المولى عز وجل أن يديم عليها وعلى كل أخواتها وإخوانها السعادة والهناء. وفي المقابل، فقدتُ في هذا العام بعض الإخوة والأحبة الذين غادروا دنيانا الفانية إلى الدار الآخرة وحياة البرزخ. أتذكر منهم الأخ العزيز على قلوبنا قايد مصلح علي الصلاحي، وأخيه فاضل مصلح علي، والحاج علي محمد غالب سلمان، ومن زملاء الصحافة والماجستير الصحفي عبد العزيز الشيخ، والأخ عبده حسين ناجي الضحياني، والأخ عبده محسن غالب سلمان، الذي كان رجل الفكاهات والمرح والحكم والأمثال، والأخ إبراهيم ناجي علي سلمان من أهالينا وأبناء منطقتنا. رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته، فقد تركوا في قلوبنا فراغاً لا يملؤه إلا طيب ذكراهم.


وعلى المستوى المحلي والإقليمي، فقد اشتعلت نيران الحرب لتلقي بظلالها القاتمة على بلادنا. فبينما كانت مدننا المدنية مثل صنعاء وإب والحديدة تتعرض للقصف من قبل الطائرات الإسرائيلية، ومن خلفها أمريكا، كانت صواريخ أنصار الله تصل إلى الأرض المحتلة، نصرةً لإخواننا الفلسطينيين الذين يتعرضون لإبادة جماعية، وحرقٍ للشجر والحجر، وتدميرٍ للمنازل وكل البنية التحتية على يد العدو الإسرائيلي الغاصب. وفي أيامنا الأخيرة من عام 2025م، فوجئنا بالمجلس الانتقالي يحشد قواته ويتجه بها نحو حضرموت والمهرة، مقتحماً مبانيها وشوارعها بقوة السلاح، محاولاً إسكات كل من يقف ضدهم أو يدعو إلى التحريض عليهم. إضافة إلى طرد كثير من أبناء الشمال من بيوتهم ومتاجرهم، وعمل كثير من الانتهاكات في حضرموت والمهرة ترتقي إلى جرائم حرب كما وثقتها المنظمات الدولية ومرصد حقوق الإنسان.


شهدت هذه المناطق تسابقاً محموماً في التسليح بين المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً، ودول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، في صراعٍ خفيٍ وعلنيٍ يهدد بتفتيت ما تبقى من وحدة الوطن. وقد شنت بعض غاراتها الجوية على عدة مواقع للمجلس الانتقالي في حضرموت، بينما لا يزال المجلس الانتقالي قابعاً في حضرموت، رافضاً رفضاً قاطعاً الخروج منها، معلناً تحديه لكل الدعوات والضغوط. وها نحن نعيش في المدن المحررة واقعاً تعيساً ومؤلماً، في ظل ظروف اقتصادية قاسية، وغلاءٍ فاحشٍ في السلع الضرورية التي لا غنى عنها، في مشهدٍ يعكس عمق الأزمة وتعدد أطرافها.


اليوم أمسك بقلمي هذا، لا لأرسم صورةً ورديةً زائفة، بل لأسجل للتاريخ ما حملته الأيام من بشاراتٍ ومنعطفاتٍ في مسيرتنا النضالية في الحياة. إنها دعوةٌ للبعد عن المثالية المفرطة في كل شيء، وللتعامل مع الواقع بكل تعقيداته، وتسجيله كما هو بحلوه ومرّه، بنجاحه وفشله، لعل الأجيال القادمة تجد فيه عبرةً ودرساً.


وفي ختام هذا السرد، لا يسعني إلا أن أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لكل من مدّ لي يد العون معنوياً ومادياً فكانوا لي نعم الأخوة ونعم السند، حيث كان تحفيزهم بمثابة نبراسا أضاء طريقي، ومصباحا أنار لي غياهيب ظلمة النفق إلى دنيا البصيرة والبرهان والاكتفاء، كما أتوجه بالشكر لكل الغاليين على قلبي أشكرهم فرداً فرداً، كلاً باسمه وصفته، لكل من آمن بقدراتي، ودعمني بكلمةٍ طيبةٍ، أو نصيحةٍ سديدةٍ، أو مساعدةٍ كريمةٍ. فبفضل الله ثم بفضلكم، تحققت بعض مانصبو إليه، وها أنا أقف اليوم على أعتاب مرحلةٍ جديدة، أحمل في قلبي لكم كل الحب والتقدير والامتنان.


علوي سلمان