من سنن الكون، أن يبعث الله سبحانه وتعالى في كل حقبة زمنية "نفحات رحيمة" تتجسد في هيئة رجال ملهمين، يُقذف في قلوبهم حب الخير، ويُتوجون بصفات القيادة الفذة من حكمة، وشجاعة، ودماثة خلق، وتواضع جم. هؤلاء الرجال ليسوا مجرد حكام، بل هم هبات ربانية وفرص تاريخية تُمنح للأمم لتنهض من كبوتها وتستعيد كرامتها.
إن العلاقة بين الشعوب وقادتها الملهمين ليست مجرد علاقة سياسية، بل هي اختبار أخلاقي؛ فمتى ما أدركت الشعوب قيمة هذه الهبة، وأحاطت قائدها بالتقدير والولاء، وأسندت إليه زمام أمرها، فتح الله لها أبواب الرفعة والازدهار والرخاء. وفي المقابل، فإن التنكر لهذه النعم أو وأدها والجور عليها يورث الشعوب حسرة وتيهاً، ويُدخلها في دوامات من الصراعات والنزاعات التي لا تنتهي إلا بالعودة إلى الصواب والاعتراف بالخطأ.
يحدثنا التاريخ المعاصر عن نماذج جلية؛ ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، جاء رجل من صلب شعبه، بسيطاً بقلبه وعظيماً برؤيته، وهو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه-، فآمن به شعبه ونصروه، فكانت النتيجة معجزة حضارية نقلت البلاد من البداوة إلى قمة التطور العالمي.
وعلى النقيض، نجد دروساً قاسية في أماكن أخرى؛ ففي اليمن الشمالي أُكرم الشعب بقائد فذ كان حلمه بناء الدولة وصيانة كرامة الإنسان، لكن التآمر غيبه قتلاً وإهانة، لتدفع البلاد ثمن ذلك سنوات من التخبط والضياع. وفي تجربتنا في الجنوب العربي، كان الشهيد سالم ربيع علي (سالمين) مثالاً للقائد القريب من وجدان الناس، وللأسف لم يدرك المجتمع حينها ضرورة الحفاظ عليه، فظلت تبعات ذلك الفقد تطارد أحلامنا في الاستقرار والدولة لعقود.
واليوم، وبفضل من الله وكرمه، تتجلى هذه المنحة الربانية من جديد في شخص القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي، الذي جاء حاملاً لآمال شعب الجنوب ومجسداً لصفات القائد الحكيم الصابر الذي انتظرناه طويلاً. إن وجوده اليوم هو إنصاف إلهي لنا بعد سنوات الظلم والقهر.
إن الحفاظ على قادتنا الملهمين، واحترامهم، والالتفاف حولهم، ليس مجرد خيار سياسي، بل هو واجب ديني وأخلاقي ووطني. لقد تعلمنا من التاريخ أن القائد هو "صمام الأمان"، وأن التفريط في الرموز هو تفريط في المستقبل.
وشكر النعمة هو شرط دوامها، وحماية قاداتنا ورموزنا هي الخطوة الأولى نحو استعادة الدولة وتحقيق الرخاء المنشود الذي ناضل الشعب من أجله؛ حفظ الله قائدنا ورمزنا "أبو قاسم"، وسدد خطاه لما فيه خير ومصلحة شعبنا العظيم.