آخر تحديث :الأحد-28 ديسمبر 2025-04:50م

الضمير والنور: رحلة وجدانية بين الذات والعناية

الخميس - 25 ديسمبر 2025 - الساعة 05:37 م
نجيب الكمالي

بقلم: نجيب الكمالي
- ارشيف الكاتب


الإنسان ليس نسخة جامدة، بل بحر متلاطم الأمواج، كل موجة فيه تحكي تجربة، وكل تجربة تضيف لونًا جديدًا لوجهه المتغير. كل مرحلة تولد صدى للذات، نسخة مشبعة بالمشاعر والدروس، لكنها متصلة بما سبقها بخيط رفيع من نور يربط بين الأمس واليوم والغد. هذا الخيط هو جوهره، النور الداخلي الذي يثبته وسط عواصف الحياة ومفاجآتها.


أحيانًا تجرفه التيارات، فيخف صوته الداخلي، يغرق في رغبات الخارج، تاركًا فجوة بين جوهره وما هو حق. هنا يبدأ الضياع، وهنا يحتاج الإنسان لمعجزة، لمعجزة نور داخلي يعيده إلى ذاته، يذكره بأنه موجود، وأن وجوده له معنى.


الضمير، كما تقول الدكتورة آمنة الريسي، ليس مجرد صوت أخلاقي، بل شعاع داخلي يمسك بالإنسان حين ينجرف، يزرع الشجاعة لمواجهة الذات قبل مواجهة العالم، ويرشده بين الزائف والحقيقي، بين الضار والمفيد، بين الانحراف والصدق. هو القلب الذي يوقظ الإنسان، ويجعله يقف بثبات أمام كل ما يمتحن جوهره.


لكن الإنسان لا يعيش وحيدًا. العناية بالآخرين تجعل هذا النور الداخلي يشرق في العالم، تترجمه الأفعال، ويصبح امتدادًا حيًا للضمير. العناية ليست شعورًا صامتًا، بل شبكة من الانتباه والمحبة والتعاضد، رابط بين الفرد والمجتمع، توازن بين نموه الداخلي وواجباته تجاه الآخرين، بين الذات والآخر، بين الضوء الذي يحمله وتأثيره في حياة المحيطين به.


من يحافظ على ضميره ويعيش العناية، يظل ضوءه الداخلي مرشده الصامت، قادرًا على التمييز بين الزائف والحقيقي، ومواجهة الحياة بقوة ووعي. أما من يضيع صوته، فينجرف مع التيارات العابرة، ويصبح أسيرًا لرغبات خارجية، محتاجًا لمعجزة تعيده إلى إنسانيته.


المجتمع يختبر الإنسان، ويكشف قوته في الحفاظ على ضميره ونوره الداخلي. مكانة المرأة في هذا السياق مرآة تعكس احترام المجتمع للضمير، ومدى إدراكه لأهمية الحرية والكرامة، وقدرته على دعم الإنسان داخليًا وخارجيًا. العناية هنا ليست رفاهية، بل فعل جوهري يمكّن الإنسان من التوازن بين ذاته وعلاقاته، بين نموه النفسي والتزامه الأخلاقي، بين ضوءه الداخلي وتأثيره على الآخرين.


الإنسان متعدد الأوجه ومتغير، لكنه يمتلك جوهرًا يربط كل نسخ ذاته. الضمير شعاع يرشد، والعناية يد تمد هذا الضوء للآخرين. وعندما يلتقي الضمير بالنور بالعناية، يصبح الإنسان قادرًا على مواجهة الحياة بوعي ومسؤولية، يحول كل تجربة مهما كانت صعبة إلى فرصة للنمو، ويعيد الاتصال بجوهره الإنساني، ناشرًا الضوء بين الناس في رحلة لا تنتهي من الوعي والكرامة.