بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف
انتشار المناطقية في هذه المرحلة يعد من أخطر الظواهر التي تهدد النسيج الاجتماعي الجنوبي. حين يتحول الانتماء المناطقي إلى هوية معلنة في الأسماء وحسابات مواقع التواصل، مثل الضالعي أو اليافعي أو الشبواني أو الحضرمي، أو غيره فإن الأمر لا يقف عند حدود التعريف الجغرافي، بل يصبح أداة فرز و إقصاء، تثير الاشمئزاز وتغذي الانقسام، وتضرب جوهر المجتمع الجنوبي الذي قام تاريخيا على التعايش والشراكة.
أنا أرى أن هذا السلوك يقوض فكرة المجتمع الواحد، ويزرع حساسيات داخل الجنوب نفسه، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التماسك والوحدة الداخلية. المناطقية بهذا الشكل لا تخدم قضية الجنوب ولا مشروع الدولة، بل تعيد إنتاج صراعات مقيتة، وتفتح أبوابا لصدامات اجتماعية قد تتطور إلى أزمات سياسية وأمنية.
في المقابل، استخدام اسم القبيلة أو النسب مثل العولقي أو اليزيدي أو القطيبي أو غيره لا يمثل إشكالا في نظري، لأنه انتماء اجتماعي معروف تاريخيا، ولا يحمل بالضرورة دلالات إقصائية أو تمييزية، ولا يقوم على استعلاء جغرافي أو مناطقي، بل هو تعريف اجتماعي لا يلغي الانتماء الوطني الجامع.
ومن المهم التذكير بأن دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كانت واعية بخطورة المناطقية، ولذلك منعت في الوثائق الرسمية كتابة الألقاب المناطقية، واعتمدت الاسماء الرباعية فقط، تكريسا لمبدأ المواطنة المتساوية، و ترسيخا لهوية وطنية واحدة لا تميز بين مواطنيها على أساس المنطقة أو الأصل. ما نعيشه اليوم من تفشي هذه الظاهرة هو نتاج مباشر لمرحلة و سلوك دولة الوحدة، التي كرست ونقلت هذه العدوى غير الصحية إلى المجتمع، و غذت الفرز المناطقي بشكل مباشر أو غير مباشر.
آثار المناطقية مدمرة على المجتمع الجنوبي، فهي تضعف الثقة بين الناس، وتضرب مبدأ العدالة والمساواة، وتعيق بناء مؤسسات الدولة الحديثة التي تقوم على الكفاءة والقانون، لا على المنطقة أو الجهة. كما أنها تشوه الوعي العام، خاصة لدى الأجيال الشابة، وتغرس فيهم ثقافة الانقسام بدل ثقافة المواطنة.
إذا كنا جادين في بناء مجتمع مدني حديث ودولة جنوبية قوية، فعلينا أن نبتعد عن هذه الممارسات، وأن نعود إلى النهج الصحيح الذي كرسه نظام دولة الجنوب سابقا، بالتمسك بالهوية الوطنية الجامعة، واعتماد الاسم المجرد من أي دلالات مناطقية، وترسيخ مبدأ أن المواطن يقيم بعمله وأخلاقه لا بمنطقته. بهذا فقط يمكننا حماية مجتمعنا من التفكك، وبناء دولة عادلة وقوية تستوعب الجميع دون تمييز.