آخر تحديث :الثلاثاء-23 ديسمبر 2025-02:18ص

المجاملة في قضايا الوطن خطيئة لا تُغتفر

السبت - 13 ديسمبر 2025 - الساعة 07:06 م
عبدالملك المخلافي

بقلم: عبدالملك المخلافي
- ارشيف الكاتب


مشكلة النخب اليمنية في جوهرها أنّها أدمنت المجاملة في الشأن العام، مع أنّ المجاملة في قضايا الوطن خطيئة لا تُغتفر. لم تعد المجاملة مجرّد سكوتٍ عن الخطأ رغم إدراكه، بل تجاوزت ذلك إلى التصويت له، وتبريره، والوقوف في صفّه. وحين يقع الفأس في الرأس، يخرج من كان صامتًا أو شريكًا ليُدّعي الحكمة بأثرٍ رجعي، ويقول إنّه كان يرى الكارثة ويتوقّعها، وكأنّ المعرفة المتأخرة تُعفي من المسؤولية أو تُبرّئ من الذنب.


هكذا ضاعت البلاد، من مجاملةٍ إلى أخرى، ومن صمتٍ إلى صمت، حتى تراكمت الأخطاء وتحولت إلى كوارث. ولو أنّ النخب وقفت في وقتها موقفًا أخلاقيًا وسياسيًا واضحًا في وجه ما جرى، وفي مقدّمته جرائم الحوثي وكلّ ما سبقها ومهّد لها، لما وصل اليمن إلى هذا الدرك الخطير. لكنّ المجاملات استمرّت، ولا تزال قائمة حتى اليوم، بصورٍ مختلفة وأسماءٍ متبدّلة.


يصمت كثيرون لا لأنّهم لا يعرفون، بل لأنّ الصمت مصلحة، أو لأنّ قول الحقيقة قد يُغضب طرفًا ما، فيُفضَّل الوطن مؤجَّلًا، والحقيقة مؤجَّلة، والدولة مؤجَّلة، فقط حتى “لا يزعل أحد”.


الحكمة من هذا القول وغايته أنّ الأوطان لا تُبنى بالمجاملات، ولا تُحمى بالصمت، ولا تُنقَذ بحكمةٍ متأخرة. الشجاعة في العمل العام ليست في التبرير بعد السقوط، بل في قول “لا” في اللحظة التي كان يمكن فيها أن يتغيّر المسار. فمن لا يواجه الخطأ حين يولد، سيُجبر لاحقًا على مواجهة الكارثة حين تكتمل.


وهنا لا بدّ من التذكير بما قلته صراحةً في اجتماعٍ للرئيس هادي مع مستشاريه في نهاية يناير 2018، وكنت حينها نائبًا لرئيس مجلس الوزراء وزيرًا للخارجية: إنّ المجاملة والسكوت في صنعاء أوصلانا إلى ما نحن فيه، وإنّ استمرار الصمت والمجاملة لن يقود إلا إلى مزيدٍ من الانحدار.

وتساؤلي يومها لم يكن موجّهًا لأشخاصٍ بعينهم، بل للجميع: إلى أين نريد بعد أن نذهب جميعًا؟

ومنذ ذلك الوقت جرت مياهٌ كثيرة في النهر، لكنّ اليمن لم تنتقل من سيّئ إلى أفضل، بل من سيّئ إلى أسوأ، ولا يزال السؤال نفسه قائمًا للجميع حتى اليوم.