آخر تحديث :الخميس-25 ديسمبر 2025-02:10ص

إعادة رسم ملامح النفوذ في الجنوب و التحولات القادمة

الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - الساعة 10:42 م
د. عارف محمد عباد السقاف

بقلم: د. عارف محمد عباد السقاف
- ارشيف الكاتب


قراءة وتحليل : د/ عارف محمد عباد السقاف


إعادة الانتشار السعودي من عدن و سيئون تبدو لي خطوة تحمل أكثر من قراءة في اللحظة الراهنة، لأنها تمزج بين إعادة ترتيب أدوار الشركاء على الأرض وبين تغيير شكل الحضور الإقليمي من التدخل المباشر إلى نموذج الشراكة الأقل كلفة و الأكثر اعتمادا على القوى المحلية الجنوبية. هذا التحول لا يظهر كانسحاب بقدر ما يبدو إعادة تموضع محسوبة، تسند فيها المهام الميدانية للقوات الجنوبية بينما تحتفظ السعودية بدور الإشراف والتنسيق وضمان التوازن، في إشارة إلى قناعة متزايدة بأن القوات الجنوبية أصبحت شريكا قادرا على إدارة الملف الأمني بكفاءة، وقوة أكثر جاهزية من غيرها لتكون الطرف الحقيقي في الميدان. هذه القناعة تفتح الباب لتعزيز دور القوات الجنوبية، وتحويلها إلى الكيان الذي تبنى عليه منظومة الأمن في المناطق المحررة.

في الوقت نفسه، لا يمكن فصل هذه الخطوة عن مسار خروج تدريجي ومدروس من المشهد العسكري المباشر، بحيث تتحول السعودية من طرف في خطوط التماس إلى ضامن سياسي يدير التوازنات ويشرف على الانتقال من استراتيجية الحرب إلى استراتيجية التسوية. هذا يمنحها موقع الوسيط في أي عملية سلام قادمة، و يجنبها عبء البقاء العسكري الطويل. أما احتمال وجود خلافات غير معلنة بين الدول المعنية بالملف فهو احتمال قائم، لكنه ليس السيناريو المفضل، لأن الساحة اليمنية لا تتحمل أي صدام بين داعميها الإقليميين، ولا أي ضغط إضافي على المناطق المحررة التي تعيش أصلا وضعية اللا حرب واللا سلم بكل انعكاساتها الاقتصادية والخدمية.


وبرأيي، الاتجاه العام يميل إلى نموذج يجمع بين تمكين القوات الجنوبية وتحويل الدور السعودي نحو الإشراف السياسي لا العسكري، مع بقاء الحضور المؤثر عبر أدوات الدعم الاقتصادي والضغط الدبلوماسي. وإذا نظرنا إلى الصورة من زاوية العام ٢٠٢٦، فالمشهد المتوقع يتجه نحو توازن جديد تتولى فيه القوات الجنوبية بما فيها الحضرمية إدارة أمن مناطقها بشكل مؤسسي أكثر، مع حضور متزايد لها في الملفات الحيوية مثل الموانئ والمنافذ البحرية والطرقات والطاقة، بينما يظل الدور السعودي داعما ومؤثرا من الخلف دون وجود كثافة عسكرية مباشرة. ومع استمرار حالة اللاحرب مع الحوثي دون انفجار، يزداد احتمال الدفع نحو تسوية سياسية خلال ٢٠٢٦ تكون السعودية الضامن الرئيسي فيها بما يحفظ مصالحها الحدودية والأمنية.


اقتصاديا وخدميا، يمكن أن يشهد العام ٢٠٢٦ تحسنا نسبيا في المناطق المحررة إذا نجح تمكين القوى الجنوبية من إدارة الأرض دون تنازع نفوذ، لكن أي خلل قيادي أو تباين في مراكز القرار قد يعيد الفوضى إلى واجهة المشهد، لأن أثر ذلك سينعكس مباشرة على الخدمات والكهرباء والرواتب والعملة. أما إذا سارت الأمور نحو التنظيم واستقرار مؤسسات الأمن والإدارة، فسيبدأ التحول من الحالة الفوضوية إلى بناء مؤسسي أكثر نضجا، وقد تظهر شراكات استثمارية جديدة في الطاقة والموانئ إذا توفرت بيئة مستقرة.


اما بخصوص احتمالات إعلان استعادة دولة الجنوب، فإن ٢٠٢٦ قد يكون عاما يعاد فيه طرح هذا الملف بقوة، خصوصا إذا استمر تعاظم الدور الجنوبي ميدانيا وإداريا، ومع تقليص الوجود العسكري الخارجي لصالح الشركاء المحليين. فكلما توسعت صلاحيات الإدارة الجنوبية على الأرض، و تعززت قدرتها على ضبط الأمن وتوفير الخدمات، كلما أصبح خيار الإعلان — أو الاقتراب منه — جزءا من النقاش السياسي الإقليمي والدولي، خصوصا إذا بقيت التسوية مع الحوثي في إطار يكرس واقعا ثنائيا شمال–جنوب. فرص هذا الإعلان لن تكون مرتبطة بشعار سياسي فقط، بل بمدى قدرة الجنوب على تقديم نفسه ككيان مستقر وقابل للحياة، قادر على إدارة موارده ومؤسساته و ملفاته الحيوية. ومع التطورات المتسارعة في الإقليم، يمكن القول إن احتمالات هذا السيناريو لم تعد مستبعدة كما كانت في السنوات الماضية، بل أصبحت جزءا من الاحتمالات الواقعية التي قد تفرضها معادلة الميدان والتحولات الإقليمية خلال ٢٠٢٦.


وباختصار، إعادة الانتشار ليست نهاية دور، بل بداية مرحلة جديدة تتحدد فيها ملامح الشراكة، و تتبلور فيها خيارات الجنوب، وتخضع فيها الساحة اليمنية لإعادة ترتيب سياسية وأمنية تضع العام ٢٠٢٦ أمام مرحلة مفصلية قد تغير شكل اليمن ومستقبل الجنوب.