تحرير وادي حضرموت من القوات الشمالية احدث هزة سياسية عميقة في المشهد الجنوبي والإقليمي معا، لأنه الحدث الأكبر. الذي سيغير قواعد اللعبة التي تراكمت منذ 1994، ويعيد الجنوب إلى خارطة الفعل لا ردة الفعل. وهذا التحول يفرض قراءة واضحة لدور السعودية والإمارات، ولموقع المجلس الانتقالي، ولما قد يتشكل بعد اكتمال السيطرة الجنوبية على كامل الجغرافيا.
لماذا لا تبني السعودية ثقة كاملة بالقيادات الجنوبية؟
الموقف السعودي ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج رؤية تراكمت لعقود. الرياض اعتادت التعامل مع اليمن باعتباره عمقا أمنيا هشا يجب أن يبقى تحت مستوى التهديد ولكن دون أن يتحول إلى دولة قوية بقرار مستقل، ولهذا، السعودية تتوجس من الجنوب لعدة أسباب رئيسية:
1. استقلالية القرار الجنوبي إلى حد ما و بان المجلس الانتقالي لا يخضع للرغبة السعودية. وهذا في العقل السياسي للرياض يمثل خطرا، لأنهم يريدون شريكا يمكن التحكم باتجاهاته، بينما الجنوب يملك مشروعا وهوية وهدفا واضحا.
2. الخوف من نشوء دولة جنوبية قوية:
السعودية ترى أن دولة جنوبية مستقلة قد تتحرك في اتجاهات إقليمية لا تتوافق كليا مع مصالحها، وربما تفتح أبوابا لفاعلين آخرين تريد الرياض منع حضورهم على حدودها البحرية.
3.الرياض تمنح الثقة لقوى شمالية، رغم ضعفها، لأنها متعودة عليها وتعرف آليات تحريكها.
هل الإمارات تدعم المجلس الانتقالي لبناء الدولة الجنوبية أم لتحقيق مصالحها؟
الدعم الإماراتي للانتقالي يجمع بين المصالح والاستراتيجية.
1. الإمارات وجدت في المجلس الانتقالي قوة منظمة، ذات هوية سياسية واضحة، وقادرة على ضبط الأمن ومواجهة الخصوم المشتركين.
2.الإمارات تنظر للجنوب باعتباره شريكا مستقبليا في ممرات الطاقة والموانئ. وهذا طبيعي في عالم السياسة؛ الدول لا تبني علاقات بلا مصالح.
3. لا يمكن القول إن دعم الإمارات صدفة أو حبا في الجنوب. لكنها ليست ضد قيام دولة جنوبية إذا كانت مستقرة وقابلة للشراكة ومعادلة الربح المتبادل هي التي تحكم هذا المسار.
إلى أين تتجه الأوضاع في الجنوب بعد تحرير حضرموت؟
برأيي الشخصي أن ما سيحدث بعد السيطرة على وادي حضرموت سيكون نقطة التحول الكبرى منذ 2015. لأن الجنوب عندها يدخل مرحلة التحكم الكامل بالأرض، وهي أهم شروط نشوء أي دولة.
1. يمكن القول إن الجنوب سينتقل انتقال من الفعل العسكري إلى الفعل السياسي.
تحرير حضرموت سيجعل الانتقالي أمام مسؤولية تاريخية:
- إعادة ترتيب الوضع الداخلي و بناء المؤسسات.
- صياغة عقد سياسي جديد مع حضرموت والمهرة.
و هذه ليست مهام سهلة لكنها ضرورية.
2. بعد التحرير لن تستطيع السعودية التعامل مع الانتقالي كقوة يمكن تجاوزها أو تحييدها.
ستضطر الرياض لإعادة صياغة علاقتها معه باعتباره الحاكم الفعلي للجنوب بقوة الأرض.
3. صعود مشروع الدولة الجنوبية إلى مرحلة النضج من خلال السيطرة على الأرض + قوات مسلحة منظمة + موارد حضرموت + ميناء عدن وشبوة = أسس دولة قابلة للحياة.
العامل المتبقي سيكون الإرادة السياسية، وليست الإمكانات.
4. تقارب جنوبي جنوبي حتمي وفيه حضرموت لن تذوب في أي مركزية جنوبية.
المهرة تطلب ضمانات.
شبوة لها حساسيتها.
و لذلك سيضطر الانتقالي للانتقال إلى صيغة سياسية أكثر شمولا وشراكة، وهذا سيخدم مشروع الدولة لا يضعفه.
5. تراجع نفوذ الأطراف الشمالية على الجنوب بسبب خروج القوات الشمالية من حضرموت يعني انتهاء آخر أدوات النفوذ العسكري للشمال داخل الأراضي الجنوبية.
سياسيا سيضعف حضورهم أكثر، واقتصاديا ستتجه أغلب الإيرادات لسلطات جنوبية، مما يعزز الاستقلال الفعلي.
وخلاصة القول إن الجنوب يقف على أبواب مرحلة جديدة، عنوانها
السيطرة على الأرض، وإعادة صياغة التحالفات، وبناء أسس الدولة القادمة.
السعودية ستتعامل مع الأمر كواقع مفروض.
الإمارات ستسعى لترسيخ شراكاتها.
والجنوب ستكون أمامه الفرصة التاريخية الأكثر نضجا منذ عقود.