آخر تحديث :الإثنين-08 ديسمبر 2025-08:12ص

عهد ياسين .. حين يكشف ظهور عابر عمق الأزمة الثقافية

الإثنين - 24 نوفمبر 2025 - الساعة 09:23 م
خالد باعزب

بقلم: خالد باعزب
- ارشيف الكاتب


أثار ظهور الإعلامية عهد ياسين في إحدى القنوات اليمنية وهي ترتدي تنورة قصيرة موجة جدل واسعة، سرعان ما تحولت من نقاش حول المظهر إلى حالة من التوتر الاجتماعي والديني، شملت فتاوى وتعليقات غاضبة، وكأن المجتمع كان يبحث عن شرارة جديدة يعيد عبرها طرح سؤال الهوية والقيم.


مثل هذه الحوادث ليست منفصلة عن سياق أكبر يعيشه العالم العربي منذ مطلع القرن العشرين، حين انقسم المثقفون بين تيار يدعو إلى تبنّي النموذج الغربي كما هو، باعتباره الطريق الأسرع إلى التقدّم، وتيار إصلاحي يؤمن بضرورة الانتقاء من الحضارة الحديثة وفق منظومة القيم التقليدية. ذلك السجال القديم لم يتوقف، بل يتجدد مع كل حدث يشبه ما حدث مع عهد ياسين، حين تتحول تفاصيل صغيرة إلى ساحة صراع بين رؤيتين للحياة.


يرى علي الوردي أن الحضارة حين تدخل مجتمعاً تغيّره بعمق، سواء في اللغة أو التفكير أو العادات، وهي ملاحظة سبقه إليها ابن خلدون حين قال إن المغلوب يقلد الغالب. ولهذا فإن ما نراه اليوم ليس خروجاً عن السياق، بل تعبيراً عن مرحلة انتقالية يعيشها المجتمع بين إرث محافظ وبين عالم حديث يتسلل من كل شاشة وكل تطبيق، دون أن يستأذن أحداً.


الخطير في هذه الحالة ليس اختلاف الناس في تقييم ظهور إعلامية، فهذا طبيعي في مجتمع محافظ، بل في سرعة انتقال الخلاف إلى لغة الشيطنة والتهديد، وكأن اختلاف الذوق أو الاجتهاد في اللباس يمكن أن يتحول إلى معركة وجود. هذه النزعة لا تسهم في حماية القيم، بل تكشف عن عجز في إدارة الخلاف بطريقة ناضجة.


قضية عهد ياسين ليست قضية فرد، بل مؤشر على توتر أوسع بين مجتمع يخشى فقدان هويته، وبين واقع حضاري يفرض مظاهره بقوة. والمطلوب اليوم ليس مزيداً من الصراخ، بل قدرة على التمييز بين ما يهدد القيم فعلاً وما هو جزء من تحولات طبيعية في زمن مفتوح على العالم. إن النقاش الهادئ هو الطريق الوحيد للخروج من الثنائية الحادة بين الرفض المطلق والتبني المطلق، وهو ما تحتاجه مجتمعات تنشد التوازن بين الأصالة ومقتضيات العصر.