آخر تحديث :الأحد-07 ديسمبر 2025-08:34م

حين تُهان الرتبة… رسميًّا!

الجمعة - 14 نوفمبر 2025 - الساعة 10:15 ص
اللواء الركن سعيد الحريري

بقلم: اللواء الركن سعيد الحريري
- ارشيف الكاتب


اللواء الركن : سعيد

الحريري


لم تعد الرتبة العسكرية في اليمن اليوم تُمنح وفق معيار الكفاءة والانضباط والتدرج الطبيعي في السلك العسكري كما كان الحال ذات يوم، بل تحولت – ويا للأسف – إلى ورقةٍ عبثية تُوزَّع بقرارات المجاملة، أو مكافأة الولاء، أو ثمناً للسكوت والصمت، حتى غدت الرتبة في كثير من الحالات عنواناً للعبث أكثر منها دلالة على الشرف والمسؤولية.


في زمنٍ غير بعيد، كان العسكري اليمني ينتظر رتبته بشغفٍ وتعب، يقطع في سبيلها سنواتٍ من الميدان والانضباط، وربما ينالها بعد أن يشيب شعره في خدمة الوطن. كانت الرتبة تُكتسب بالعرق والتضحية، وتُحترم لأنها جاءت من عرقٍ وتعب، لا من توقيع مسؤولٍ متعجرف أو لجنةٍ حزبيةٍ تبيع الولاءات بالرتب والنياشين.


أما اليوم، فقد أصبحنا نرى “نفر” الأمس يُصبح بين ليلةٍ وضحاها “عميداً”، وتُوزّع شهادات الماجستير في العلوم العسكرية على مدنيين لا يعرفون من العَسكرية سوى زيّها، ولا من الميدان سوى صوره في وسائل التواصل. مشهدٌ عبثيّ يُلخّص ما وصل إليه حال مؤسسات الدولة، حين تُهان الرمزية الوطنية من داخلها، وبصورةٍ رسميةٍ ومعلنة.


الإهانة الحقيقية ليست فقط في من يحمل الرتبة دون استحقاق، بل في من يمنحها دون ضمير، وفي من يصمت عن هذا الانحدار. حين يُهان الزيّ العسكري تُهان معه هيبة الدولة، وحين تُباع الشهادات تُباع معها قيم الجدّ والعلم والاجتهاد.


لقد كان فتحي بن لزرق صادقاً حين قال إن أكثر ما أُهين في اليمن منذ 2015 هو الرتبة والشهادة. لكن الأخطر من الإهانة الشعبية أو العبث الفردي هو أن تتحول هذه الإهانة إلى سياسة رسمية، تُمارَس بقرارات مختومة، ومراسم مزيّفة، وتهانيَ تُنشر على الملأ!


حين تُهان الرتبة رسميًّا، لا يعود في الوطن معيارٌ يُحترم، ولا جهدٌ يُقدّر.

وحين يفقد الناس إيمانهم بعدالة الكفاءة، يصبح كل شيءٍ قابلًا للبيع: الشرف، والرتبة، وحتى الوطن نفسه.


الله المستعان.