آخر تحديث :الأربعاء-31 ديسمبر 2025-06:21ص

التكنوقراطية والديمقراطية في اليمن جدوى هذا المزيج في ظل الأزمة الراهنة

الثلاثاء - 11 نوفمبر 2025 - الساعة 08:26 م
علوي سلمان

بقلم: علوي سلمان
- ارشيف الكاتب


تُمثل التكنوقراطية (حكم الخبراء) والديمقراطية (حكم الشعب) قطبين متنافرين في الفلسفة السياسية، لكنهما غالبًا ما يتداخلان في محاولات بناء الدول، خاصةً في سياقات الأزمات والتحول. في اليمن، حيث تتشابك الصراعات وتتآكل المؤسسات، يطرح السؤال نفسه بقوة: هل يمكن للمزيج التكنوقراطي الديمقراطي أن يجد نفعًا، وما هي العلاقة الجدلية بين هذين المفهومين في ظل الواقع اليمني المعقد؟


التكنوقراطية، التي تُعلي من شأن الكفاءة والخبرة الفنية، تقف في تناقض جوهري مع الديمقراطية التي تستمد شرعيتها من إرادة الشعب. يرى الفيلسوف السياسي يورغن هابرماس أن التكنوقراطية قد تُشكل تهديدًا للديمقراطية، حيث يميل الخبراء إلى "تسييس" القضايا الفنية، وتحويل القرارات السياسية إلى مجرد حلول تقنية، مما يُهمش النقاش العام والمشاركة الشعبية.


ومع ذلك، لا يمكن للديمقراطية الحديثة أن تستغني عن الخبراء. كما يشير عالم الاجتماع ماكس فيبر في تحليله للبيروقراطية، فإن الكفاءة الفنية هي أساس الإدارة الحديثة. في الدول النامية، تظهر الحاجة إلى التكنوقراطية كضرورة لإنقاذ الاقتصاد المنهار. الباحثة مارينا أوتاواي، التي درست التحولات في الدول الهشة، تؤكد أن "الشرعية الفنية" (Technical Legitimacy) التي يوفرها الخبراء قد تكون أحيانًا أكثر أهمية من الشرعية الانتخابية في المراحل الأولى من إعادة بناء الدولة، لأنها تُركز على تقديم الخدمات الأساسية.


في اليمن، حيث تعاني الدولة من انهيار مؤسساتي وفساد مستشرٍ، تظهر الحاجة إلى الكفاءة كضرورة ملحة. اليمن بحاجة إلى خبراء اقتصاديين قادرين على التعامل مع انهيار العملة وإدارة الموارد الشحيحة. لكن هذه الضرورة تصطدم بعقبات الشرعية والواقع السياسي.


يُشير الخبراء في دراسات التحول الديمقراطي إلى أن التكنوقراطية في الدول غير المستقرة غالبًا ما تفشل بسبب "المحاصصة والولاء". فبدلاً من تعيين الخبراء بناءً على الكفاءة، يتم تعيينهم بناءً على الولاءات القبلية أو الحزبية أو المناطقية. هذا ما يصفه الباحث لاري دايموند بأنه "ديمقراطية واجهة" (Façade Democracy)، حيث يتم استخدام المصطلحات الديمقراطية أو التكنوقراطية لتغطية حكم النخبة المتحيزة.


هل تجدي التكنوقراطية نفعًا في اليمن؟


الجدوى في اليمن تكمن في تحقيق توازن دقيق، وهو أمر صعب للغاية. التكنوقراطية وحدها لا تكفي؛ فإذا تم فرض حكومة خبراء دون أي غطاء سياسي أو شعبي، فإنها ستفشل في كسب ثقة الناس، وستُتهم بالارتهان للقوى الخارجية أو المحلية التي عينتها. كما قال روبرت دال، أحد أبرز منظري الديمقراطية: "الديمقراطية ليست مجرد مجموعة من الإجراءات، بل هي ثقافة المشاركة". الكفاءة دون شرعية تُصبح سلطة ضعيفة.


في المقابل، إجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية في ظل الحرب والانقسام الجغرافي والسياسي أمر مستحيل حاليًا. لذا، يرى بعض المحللين أن الحل الأكثر واقعية هو "التكنوقراطية المقيدة": تشكيل حكومة مصغرة من الخبراء تكون مهمتها محددة بإدارة الملفات الخدمية والاقتصادية الملحة، على أن تكون هذه الحكومة مقيدة بإطار سياسي توافقي يمثل الأطراف الرئيسية. هذا يضمن الكفاءة في التنفيذ، مع وجود غطاء سياسي يمنحها الحد الأدنى من الشرعية.


الخلاصة:


التكنوقراطية والديمقراطية في اليمن ليستا خيارين متناقضين بقدر ما هما تحديان متكاملان. اليمن بحاجة إلى الكفاءة التكنوقراطية لإنقاذ الاقتصاد والخدمات، لكن هذه الكفاءة يجب أن تُدمج ضمن إطار سياسي توافقي يمثل الحد الأدنى من الشرعية، حتى يتمكن البلد من العبور إلى مرحلة يمكن فيها استعادة العملية الديمقراطية الكاملة. الفشل في تحقيق هذا التوازن يعني استمرار المحاصصة السياسية التي تقتل الكفاءة، وتعمق الأزمة، وتُبقي اليمن أسيرًا لجدلية الصراع بين من يملك الخبرة ومن يملك القوة.


علوي سلمان