آخر تحديث :الإثنين-10 نوفمبر 2025-09:13م

وقفة وفاء مع أحد رموز العطاء التربوي والإداري

الإثنين - 10 نوفمبر 2025 - الساعة 03:11 م
صادق الجحافي

بقلم: صادق الجحافي
- ارشيف الكاتب


في زمنٍ تكثر فيه الضوضاء وتبهت فيه القيم، يظلّ بعض الرجال كالنجوم؛ مهما توارت خلف غيم الأيام تبقى أنوارهم تُهدي التائهين وتمنح الدروب معنى البقاء.

رجالٌ لا يصنعون المجد لأنفسهم فحسب، بل يتركونه أثرًا في الأرواح، نقشًا في الذاكرة، وعبقًا في التاريخ… أولئك الذين إن مضوا، ظلّت سِيَرهم تتردّد كالأناشيد في وجدان من عرفوهم.


ومن أولئك الذين جمعوا بين الفكر الناضج، والتربية الأصيلة، والإدارة الواعية، والخلق الرفيع — الأستاذ يحيى سعيد مثنّى، المدير العام السابق لمكتب محو الأمية وتعليم الكبار بمحافظة الضالع، الرجل الذي علّمنا أن القيادة ليست مقعدًا من خشبٍ أو قرارًا على ورق، بل رسالة إنسانية، ومسؤولية أخلاقية، وتجسيد لمعنى القدوة في أبهى صورها.


عرفناه إداريًا متميزاً عميق النظرة، يقرأ الواقع بعين الحكمة، ويمسك زمام الأمور بيدٍ من حزمٍ وأخرى من رحمة.


هو المربّي الذي يسكنه ضوء المعلم الأول، وحنين الرسالة الأولى، يحمل في صدره وجدان الإنسان الأصيل، ويؤمن أن التربية ليست مهنة بل فعل حبٍّ خالصٍ تجاه الحياة. يزرع الخير في صمت، ويسقيه بابتسامةٍ واثقة، ثم يمضي تاركًا البصمة دون أن يطلب التصفيق.


شهمٌ في مواقفه، نقيّ السريرة، كريمُ الخلق والسجيّة، يجمع الهيبة إلى التواضع، والحنكة إلى البساطة، والحزم إلى الرحمة، كأنه يمشي بين الناس بميزانٍ من نورٍ وعدل.


من يعرف الأستاذ يحيى سعيد، يدرك أن النُبل ليس كلمة تُقال، بل سلوكٌ يُعاش، وحضورٌ يُشعرك بأن الخير ما زال ممكنًا في هذا العالم المرهق.


ولعلّ السؤال الذي يفرض نفسه اليوم ألا يستحقّ أمثال هؤلاء الرجال تكريمًا يليق بروحهم النقية، وموقعًا يوازي عطائهم الصامت؟

أولئك الذين بنوا في الخفاء، وعلّموا بصدق، وأداروا بضميرٍ يقظ، وساروا بين الناس كقاماتٍ من ضوءٍ وحياء، لا تطلب شيئًا إلا أن ترى الآخرين بخير.


إن تمكين الإداريين المتميزين والمخلصين وإنصافهم بمناصب تليق بسموّ عطائهم هو واجب أخلاقي وتربوي قبل أن يكون إداريًا؛ فبهم تُقاس الأمم، وبتاريخهم يُكتب الشرف المهني، ومن سيرهم تُستقى دروس القيادة الراقية التي لا تُدرّس في المعاهد بل تُمارس في الصمت والموقف.


فليكن للأستاذ يحيى سعيد مثنّى ومن على شاكلته من الكوادر النزيهة موقعٌ في ذاكرة الوفاء، وصوتٌ يُشكر لا يُنسى، وتقديرٌ يليق بمقاماتٍ من ضياءٍ وخلقٍ نبيل.


دمتَ يا أبا أديب، صوتًا للضمير، ومثالًا يُحتذى، وسيرةً تُروى في المجالس كما تُتلى القصائد الخالدة، رمزًا يُفخر به، واسمًا يُذكر كلما ذُكرت القيم الأصيلة، على يقينٍ بأن من يزرع النور في القلوب، لا يطويه النسيان، بل يُخلَّد في وجدان الأجيال كحرفٍ من ذهبٍ على صفحة الزمن.