طريق الحرير وطريق الحريق مجرد تشابه ممتنع في الشكل والجوهر، فما الرابط بين الحرير والحريق سوى شرارة نار يشعلها مفترٍ هنا أو مختلّ هناك، لتحول دون حدوث تغيّر جوهري على الأرض. سياسة واقتصاد يولّده مشروع بحجم طريق الحرير، الذي من خلاله تعيد الصين الصديقة هندسة روابط التجارة والتواصل والتنمية ضمن شبكة عولمية متبادلة المصالح بين المركز الممول والمواقع التي تشكل – بمواقعها الممتازة – همزة وصل لمصالح متشابكة مشتركة يجري تطويرها لتصبح ضمن معالم عالم جديد.
هنا كانت بلادنا، بموقعها الجيوسياسي وهيمنتها على أحد المنافذ الدولية “باب المندب”، الذي تترجمه القراءات الاقتصادية للقوى التي تمتلك مفاتيح إعادة صياغة خرائط ومواقع وموانئ التجارة والتبادل الدولي. واليمن، بلدنا الحزين المكتوي بنيران الحرب والخلافات والصراعات التي لا تؤسس بل تهدم، تتحول وتدمر ما لدى الموقع من مزايا يقرأها العالم بعيون فاحصة أكثر من عيوننا التي أصابها – للأسف – بعض الرمد.
ونأمل أن نتمكن من سرعة محاصرة تمدد هذا الرمد خشية فقدان الرؤية التي تبيّن أين تكمن مصلحة البلاد وقوة ومكانة موقعها ومواردها، لتكون ضمن جواهر طريق الحرير، ولا نتمنى أن تصير مجرد مقلب لبقايا حريق؛ جزء يشعله خلافاتنا، وجزء تشعله قوى أخرى يهمها انكماش وتضاؤل دور ومساهمة موقعنا وقدراتنا الاقتصادية والبشرية.
لتكن بلادنا ضمن الجهود الدولية المتاحة التي يُعاد من خلالها صياغة خرائط التأثير الاقتصادي، فبلادنا تمتلك في هذا المضمار موقعًا وإمكانات، وأعين كثيرة تريد اختطاف هذه المزايا طالما ظل أصحابها عنها غافلين. لنا أمل كبير ألا تطول غفلتنا، فالوقت وصياغة المصالح الدولية لا ينتظران من لا يهتم بمصالحه.
هنا أتوقف قليلًا لأتحدث بأمل وتساؤل، كلاهما مهم:
الأول يتعلق بما يجري وجرى داخل المخا من تطوير للبنية التحتية وفتح لمطار المخا ضمن محور بات يُعرف بالساحل الغربي، أي ساحل تهامة كما نعرفه وكما سيظل. ما جرى ويجري من تطوير ندعمه، خاصة إن كان بموارد وقوى وطنية، ونشدّ على أيادي من نفّذوه، مؤكدين على أمر هام واستراتيجي يخدم مستقبل بلدٍ بكامله، يرتبط بمصالح وطنية تطوّر كل إمكانات اليمن البحرية جزرًا وموانئ ومدنًا، وفي البدء إعادة ربط محور المخا بكل من مدينة عدن كميناء تاريخي يمتلك كافة عناصر المنافسة، ومدينة الحديدة التي لن تظل تحت سيطرة قوى الانقلاب. إضافة إلى ذلك، ضرورة ربط تطوير المخا مع محيطها وعمقها الإستراتيجي، مدينة تعز.
هنا أتوقف لحظة للإشارة إلى أمرين مهمين مرتبطين بما تشهده المخا من تطورات:
الأول: عرض جمهورية الصين الصديقة ربط موانئ الشريط الساحلي لليمن بخط سكك حديدية ضمن آفاق مستقبلية، وهو أمر نأمله ونتمنى أن يتضمن أيضًا ربطًا للبلد كله.
الثاني: نحرص كل الحرص على قضية وطنية بالأساس، ترتبط بالحرص الكامل والمبدئي على أن مزايا وتنافسية ميناء عدن ومطارها الدوليين لهما مكانة تاريخية وتنافسية يفترض ألا تغيب عن الأذهان، حيث يشكّل تطوير موانئ البلاد – التي تتوافر لها بحكم الموقع والتنافسية – أولوية قصوى ضمن أي خطط ذات طابع استراتيجي مستقبلي.
نأمل كامل النجاح لما يجري من تطوير في مدينة المخا، على أن يكون ضمن رؤية وطنية شاملة، وهو ما نأمله ونعتقده ولا نشك فيه.