آخر تحديث :الأحد-07 ديسمبر 2025-10:01م

حافلة العرقوب.. لهب الإهمال الذي ابتلع الأرواح

الخميس - 06 نوفمبر 2025 - الساعة 02:10 م
محمد العنبري

بقلم: محمد العنبري
- ارشيف الكاتب



يا الله ما أشد هذا المشهد قسوة! دقائق معدودة كانت كافية لتحوّل فرحة العودة إلى مأتم كبير وحلم الوصول إلى كابوس لا يمحى من الذاكرة اشتعلت الحافلة كأنها قطعة من الجحيم نزعت إلى الأرض تتراقص فيها ألسنة اللهب على أجساد كانت قبل لحظات تنبض بالحياة وتتنفس الأمل امتزجت أصوات الصراخ بأزيز النار وتحولت الطريق إلى مشهد مروع لا يصدق كأنها لحظة القيامة حلت في نقيل العرقوب.


لم تكن تلك النيران مجرد حادث عرضي بل لوحة سوداء رسمها الإهمال بأقسى ألوانه وسكب عليها الزيت كل مسؤول غافل عن واجبه أي طريق هذا الذي يبتلع الأبرياء؟ وأي قدر أعمى يختار الأرواح في لحظة واحدة لتصعد دخانا نحو السماء؟ وأي وطن هذا الذي يودع أبناءه كل يوم في حادثة كان يمكن تفاديها لو وجدت عين رقابة أو ضمير يقظ؟


لم تعرف بعد تفاصيل الحافلة ولا اسم الشركة المالكة ولا ماركتها لكن التفاصيل في هذه اللحظة ليست سوى رماد متطاير أمام هول المأساة فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن عشرات الأرواح البريئة رحلت غدرا وذابت أجسادها في نار اشتعلت بسبب إهمال متراكم وسوء إدارة مزمنٍ وطرقات لا تصلح حتى لمرور الأحلام فكيف تمر عليها أرواح البشر؟


هذه الكارثة ليست قضاء محضا بل نتيجة مباشرة لعقود من الإهمال الإداري والفساد المتجذر في مؤسسات نسيت أن خدمة المواطن أمانة وليست تجارة كل ضحية في هذه الحادثة تصرخ في وجه الدولة والمجتمع أين الأمان؟ أين المسؤولية؟ أين الطرق الآمنة التي وعدونا بها؟ أين الصيانة أين الرقابة أين الضمير؟


لقد تحولت الحوادث المرورية في بلادنا إلى مشاهد متكررة نقرأها كل يوم دون أن يهتز فينا شيء حتى أصبح الموت على الطرقات خبراً عاديا كطقس يوميٍّ لا يثير الدهشة لكن حريق نقيل العرقوب لم يكن حادثا عاديا بل نذيرا بأن الصبر الشعبي بلغ حده وأن استمرار الإهمال يعني أننا جميعا على موعد مع كارثة قادمة في أي لحظة.


إننا نحمل الحكومة كامل المسؤولية ونطالب رئيس مجلس الوزراء ووزير النقل والسلطات المحلية في محافظة أبين بفتح تحقيق عاجل وشفاف يضع النقاط على الحروف ويكشف أسباب الكارثة ومكامن الخلل ويحاسب كل مسؤول تهاون أو تغاضى أو قصر في واجبه فدماء الضحايا ليست أرقاما في تقريرٍ عابر ولا صورا في نشرات الأخبار بل هي أمانة في رقاب كل من يقف اليوم في موقع القرار.


أيها المسؤولون لا تتركوا هذا الحريق يمر كما مرت غيره من المآسي فالمأساة القادمة قد تلتهم أبناءكم كما التهمت أبناء غيركم اجعلوا من هذه الفاجعة بداية لصحوة حقيقية في إصلاح الطرق ومراقبة وسائل النقل وضمان معايير السلامة فالأرواح ليست أرقاما تحصى بل حياة إنسان من لحم ودم وأمل ومستقبل.


الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والصبر لذويهم المفجوعين ولعل هذه الكارثة تكون صرخة توقظ الضمائر قبل أن تكتب مأساة جديدة على الطريق ذاته بنيران أشد ودموعٍ أغزر كفى صمتا فكل صمت في وجه الإهمال جريمة وكل تهاون في حماية الناس خيانة. اللهم احفظ هذا الوطن من حرائق الإهمال ومن نار التقصير ومن كل طريق لا يوصل إلا إلى الموت.

محمد العنبري