آخر تحديث :الإثنين-03 نوفمبر 2025-11:57م

لماذا نحن متأخرون ؟

الإثنين - 03 نوفمبر 2025 - الساعة 05:13 م
د. مطيع الاصهب

بقلم: د. مطيع الاصهب
- ارشيف الكاتب


في اليمن، كما في كثير من المجتمعات التي أرهقها الصراع، لا تكمن مشكلتنا في غياب الكفاءات ولا في فقر العقول بل في أن من يتصدر المشهد ليس بالضرورة الأجدر، وإنما الأبرع في ارتداء الأقنعة.

يتحدث باسم الدين من لا يخشى أن يدوس على قيمه، ويرفع شعار الإصلاح من يمارس أبشع صور الفساد، ويصرخ باسم الوطن من يبيعه عند أول صفقة أو مكسب.


لقد دفع اليمنيون ثمنا باهظا لأنهم صدقوا الوجوه التي لبست العمائم وتحدثت بنبرة الواعظ، ثم اكتشفوا أن تلك العمائم كانت مظلة لمشاريع خاصة، وأن الوعظ لم يكن إلا وسيلة للنفوذ والسيطرة.

كثير ممن لبسوا عباءة الناصحين لم يحملوا مسؤولية الكلمة، بل تاجروا بها، استثمروها وقت الحاجة، وباعوها حين ضاق بهم النفوذ أو خسروا امتيازاتهم.

إنها معضلة الخطاب المزدوج، الذي يخدر الناس بشعارات التقوى والعدل، بينما ينسج في الخفاء خيوط النفوذ والمصلحة.

وحين تهب رياح التغيير، يختفون من صفوف الناس، ثم يعودون بوجه سياسي جديد، يتقن لغة المصالح ويجيد المناورة. لا يؤمن هؤلاء إلا بالغنيمة، ولا يعرفون من الوطن إلا أنه ساحة لتصفية حساباتهم.


يتقنون ركوب الموجة، ويتقنون أكثر كيف يرمون الناس في البحر إن توقفت مصالحهم.

نحن متأخرون لأن الخطاب الذي كان يفترض أن يبني، صار يخدر. لأن النصح تحول إلى أداة للتحريض، ولأن الدين الذي هو أعظم ما نملك صار عند البعض غطاء لتبرير السقوط، لا لبناء الإنسان.

يتحدثون عن الزهد وهم يتقاسمون الثروات، عن الإصلاح وهم يزرعون الفتنة، عن الحرية وهم أول من يصادرها.

ولذلك تتكرر مآسينا، ويعاد إنتاج الفشل بأسماء جديدة ووجوه مختلفة، لكنها تحمل المنهج ذاته، وتعيد الخطاب نفسه، وتسير بالناس في الاتجاه ذاته نحو الهاوية.


إنها دوامة الوهم التي نعيشها منذ سنوات، لأننا لم نحسن التمييز بين من يخدم الوطن حقًا، ومن يخدم نفسه باسم الوطن.

الخلاص لن يأتي بشعارات جديدة، بل بوعي جديد وحين يفيق الناس ويدركون أن الدين لا يحتكر، وأن الوطنية ليست شعارًا، وأن من يستخدمك لتكبير مكاسبه لا يمكن أن يكون ناصحًا لك، حينها فقط يبدأ التحول.

وحين يفرز الناس بين من يرشدهم بحق ومن يتخذهم وقودًا لمعركة مصالحه، سيسقط أولئك الذين ظنوا أن بإمكانهم خداع الوعي إلى الأبد.


حين يفهم الناس أن الكلمة مسؤولية، وأن من يستخدمها لتضليلهم ليس عالما ولا ناصحا بل تاجرًا، عندها فقط نضع أقدامنا على أول طريق النهوض.