بالأمل نحيا، وبالإيمان نسمو، وبالعزيمة نغزل من ليل المحن خيوط فجرٍ جديد.
نحيا لأن في أعماقنا جذوة لا تنطفئ، ولأننا نحن الذين غرسنا في صحراء اليأس بذور الرجاء، وسقيناها بدموع صافية من عيونٍ مؤمنة بأن الغد أجمل، مهما أثقلت الأيام خطانا بالعثرات.
نحن الذين صدّقوا أن الحلم لا يولد على وسائد الراحة، بل في أحضان المعاناة، وأن النور لا ينبثق إلا حين يكتمل الظلام من رماد الانكسارات شيدنا أبراج العز، ومن حطام الألم بنينا وطناً من ضوءٍ ووفاء.
أيها السائرون على دروب الكفاح، لا تدعوا للخذلان سبيلاً إلى قلوبكم، ولا تسمحوا لأصوات التثبيط أن تسرق منكم نبض الحياة.
فالمحن مهما عظمت، ليست إلا مواسم امتحانٍ للقلوب الصادقة، تفرز المعادن النفيسة من بين الركام، وتظهر أنكم أنتم أبناء الجنوب، أبناء الشمس التي لا تعرف الغروب.
امضوا بخطا من ثقة، واملؤوا الدروب المعتمة بنور عزائمكم، أنيروا القلوب المتعبة بقبس إيمانكم، وكونوا أنتم الحلم الذي يمشي على الأرض، والشموع التي تهدي غيرها السبيل.
فالطريق وإن طال، نهايته وعدٌ من الله، والنصر وعد الصابرين الذين لم تكل أيديهم، ولم تنحني هاماتهم أمام العواصف.
آمنوا بربكم، واسعوا في الأرض بإخلاص وعمل نقي، فالله لا يضيع من زرع في سبيل الحق حباً، وسقى الأرض صدقاً، وقدم للوطن عطاءً لا يقاس.
احملوا يقينكم سلاحاً، وعدلكم راية، ونقاء مشروعكم زاداً لطريقٍ طويل لا يُسلك إلا بقلوب عامرة بالإيمان، وضمائر لا تعرف المساومة.
لقد اقترب الحلم، وبدت بشائر النور تلوح في الأفق كأنها فجرٌ يستيقظ على أنين الأرض وصبرها.
أوشك الغيث أن يهطل على تربةٍ عطشى، سقيناها دماء الشهداء الأبرار، وعرق المخلصين، وصبر الأمهات اللواتي أنجبن مجد الجنوب من رحم الدموع والدعاء.
لقد مضينا شوطاً طويلاً، ومهما بدت المسافات متعبة، فكل خطوة على هذا الطريق هي صلاةٌ في محراب الوطن، وكل نبضةٍ في صدوركم هي نداء الأرض لأبنائها "اثبتوا فالنصر قريب".
يا أبناء الجنوب الأوفياء، قوتكم في اتحادكم، وفي تلاحم قلوبكم التي تنبض بحب واحد لا يتجزأ.
فالوطن لا يُبنى بالحجارة وحدها، بل بتلك الأرواح التي آثرت البقاء في الميدان على الركون إلى الصمت، وبالقلوب التي تؤمن أن الكرامة لا لاتشترى، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع انتزاعاً من بين أنياب الظلم.
من المهرة شرقاً إلى باب المندب غرباً، يمتد شريان الوطن نابضاً بالعزيمة، متوشحاً براية العزة، ومكللاً بوفاء الرجال الذين أقسموا أن لا يسلموا الجنوب إلا ناصعاً كما خلقه الله، طاهراً من كل دخيلٍ وعابث.
تذكروا دائماً أن النصر يولد من رحم الألم، وأن الفجر حين يوشك أن يبزغ، تشتد قبله العتمة، فتلك سنة الحياة، وسنة الأمل الذي لا يخيب.
وها نحن اليوم على أعتاب الفجر، نسمع خُطى النور تقترب من خلف الجبال، كأنها تُنشد للجنوب نشيد القيامة، وتبشر الأرض المكلومة بأن موعدها مع العز قد آن.
فلنمضِ جميعاً، كأمواج البحر لا تفتر، وكجبالٍ لا تنحني، ولتكن قلوبنا رايات، وأعمالنا أناشيد، وأحلامنا مراسي لأجيالٍ قادمة ستحمل شعلة هذا الوطن وتقول:
هنا، على هذه الأرض، كتب أبناء الجنوب بدمائهم سيرةً من نور،
وهنا، في هذا التاريخ، ولد الفجر من رحم الصبر، وهنا، ارتفع صوت الكرامة،
ليعلن أن الجنوب لا يُكسر، ولا يُمحى،
ولا يموت.