قراءة نقدية في مقال "خطوة الزبيدي نحو تعميق الحوار" لحسين البهام ..
يطرح الكاتب حسين البهام في مقاله المنشور بصحيفة عدن الغد تحت عنوان «خطوة الزبيدي نحو تعميق الحوار» رؤيةً تميل إلى الإشادة بخطاب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي بشأن استعداده لضم مأرب وتعز إلى ما أسماه “الجنوب العربي”. ويصف الكاتب هذه الخطوة بأنها تحول نوعي في فكر المجلس ودليل على انفتاحه على الآخر.
لكن قراءة متأنية للنص ولمجمل المشهد السياسي تكشف أن ما يقدمه البهام ليس تحليلاً سياسياً بقدر ما هو محاولة لتجميل موقف سياسي ملتبس وتغليفه بلغة الحوار والانفتاح.
1. الإشكالية المفاهيمية: من الجنوب إلى "الجنوب العربي"
الكاتب يتحدث عن "الجنوب العربي" كمفهوم سياسي جديد دون أن يحدد إطاره الجغرافي أو التاريخي أو القانوني. فهل المقصود به الجنوب الذي كان قبل الوحدة اليمنية؟ أم مشروع سياسي جديد يتجاوز الواقع الديموغرافي؟
إن استخدام هذا المصطلح بهذا الشكل الفضفاض يُغيب وضوح الرؤية السياسية للمجلس الانتقالي، ويحول الخطاب إلى شعارات أكثر منه مشروعاً وطنياً قابلاً للتطبيق. فالانفتاح الحقيقي لا يكون بضم مناطق جغرافية بخطاب إعلامي، بل بإعادة صياغة رؤية سياسية جامعة تستوعب تنوع اليمنيين داخل إطار دولة متوازنة، لا مشروعاً جهوياً موسعاً.
2. التناقض بين القول والممارسة
يحاول البهام تصوير خطاب الزبيدي كخطوة نحو “قبول الآخر”، في حين أن الواقع العملي للمجلس الانتقالي منذ تأسيسه حتى اليوم يقوم على الإقصاء والاحتكار السياسي والعسكري داخل الجنوب نفسه.
فكيف يمكن لمجلس لم يتمكن من إدارة حوار متكافئ مع شركائه الجنوبيين، أو مع قوى المقاومة الجنوبية المختلفة، أن يفتح ذراعيه فجأة لمأرب وتعز؟
هذا التناقض بين الخطاب والممارسة يجعل من دعوة “ضم المحافظات” خطاباً دعائياً أكثر من كونه توجهاً تصالحياً حقيقياً.
3. تسطيح الفكرة الوطنية
في حديثه عن “التقارب المجتمعي” و“العقد الاجتماعي الجديد”، يتجاوز البهام عن عمد الإشارة إلى القضايا الجوهرية التي تمس طبيعة الصراع في اليمن:
من يملك الحق في تقرير شكل الدولة؟
هل الحوار سيكون على قاعدة الشراكة المتساوية أم على قاعدة التفوق العسكري والسيطرة الميدانية؟
إن تجاهل هذه الأسئلة الأساسية يحوّل الدعوة إلى الحوار إلى مجرد فقاعة إعلامية تُستخدم لتحسين صورة طرف سياسي أمام جمهوره أو أمام القوى الإقليمية الداعمة له.
4. خطاب المصالحة المشروط
الكاتب يدعو إلى تجاوز الماضي والعتاب، لكنه يغفل أن المصالحة لا يمكن أن تبنى على النسيان بل على الاعتراف والعدالة الانتقالية.
فمن دون مراجعة حقيقية لانتهاكات الماضي في عدن وأبين وشبوة، ومن دون مساءلة للانتهاكات التي رافقت سيطرة الانتقالي، لن يكون هناك حوار حقيقي بل إعادة إنتاج للأزمة بأسماء جديدة.
5. الخلاصة: من النقد إلى الإصلاح
يمكن اعتبار مقال البهام جزءاً من محاولة لتهيئة الرأي العام لقبول تحول في خطاب المجلس الانتقالي، ربما استجابة لمتغيرات إقليمية أو ضغوط سعودية.
لكن التحليل السياسي الجاد يجب أن يذهب أبعد من التهليل الإعلامي، وأن يسائل النوايا، والخطط، وآليات التنفيذ.
فما لم يُترجم هذا “الانفتاح” إلى إجراءات عملية تشمل الاعتراف بالآخر، وإعادة بناء المؤسسات على أسس وطنية لا مناطقية، فإن ما يقدمه البهام سيبقى خطاباً تجميلياً يخدم اللحظة الدعائية ولا يخدم مستقبل اليمن.