بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف
تعد ظاهرة عدم تقدير الوقت وعدم الالتزام بالمواعيد من السلوكيات السلبية المنتشرة في المجتمع اليمني، وهي سمة غير حميدة أثرت سلبا في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. فكثير من الناس لا يبالون بقيمة الوقت، سواء في مواعيد العمل أو الالتزامات الشخصية أو حتى في المعاملات الرسمية، وأصبح التأخير عادة مقبولة في نظر البعض، رغم أنها تمثل مؤشرا واضحا على ضعف الانضباط وغياب روح المسؤولية.
أولا: البعد الديني والأخلاقي لهذه الظاهرة:
لقد ربط الإسلام بين الالتزام بالوقت والصدق في الوعد، وجعل من الإخلاف به علامة من علامات النفاق، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان». فالوقت أمانة، وتضييعه إثم، والتقصير فيه إخلال بالواجبات. ومن المؤسف أن المجتمعات الإسلامية، ومنها مجتمعنا اليمني، أصبحت أقل التزاما بالمواعيد مقارنة بالمجتمعات غير الإسلامية، التي جعلت من احترام الوقت جزءا من أخلاقها وسر تقدمها.
ثانيا: الخسائر الاقتصادية:
عدم احترام الوقت في اليمن يعد أحد أسباب انخفاض الإنتاجية وتعطل التنمية. فالتأخير في الدوام الرسمي يؤدي إلى ضياع ساعات عمل ثمينة، ويقلل من كفاءة الأداء في المؤسسات الحكومية والخاصة. كما يؤدي إلى تأخير إنجاز المعاملات وتراكمها، ما يعرقل مصالح المواطنين ويضعف ثقة المستثمرين بالإدارة العامة.
أما على مستوى الأفراد، فإن إضاعة الوقت في جلسات القات تمثل استنزافا مزدوجا للموارد البشرية والمالية. فالموظف الذي يقضي ساعات طويلة في تعاطي القات بعد الدوام يفقد نشاطه الذهني والجسدي، ويبدأ يومه التالي بخمول وضعف إنتاجية. كما ينفق جزءا كبيرا من دخله على شراء القات، فيتحول من عنصر منتج إلى مستهلك غير فعال. وتشير تقديرات اقتصادية إلى أن اليمن يخسر سنويا مليارات الريالات بسبب ضياع الوقت والموارد في جلسات القات، وهو ما يمكن أن يموّل مشاريع تنموية كبرى لو استثمر ذلك الجهد والمال بشكل صحيح.
ثالثا: الخسائر الاجتماعية:
من الناحية الاجتماعية، أسهم هذا السلوك في تفكك ثقافة الانضباط والمسؤولية داخل المجتمع. فحين يتأخر الناس عن مواعيدهم دون شعور بالحرج، تتحول الفوضى إلى سلوك عام، ويضعف احترام الآخرين للوقت والنظام. كما تؤدي عادة القات إلى تفكك الأسرة، إذ يقضي الرجال معظم أوقاتهم خارج المنزل، مما يضعف التواصل الأسري ويؤثر على تربية الأبناء.
كما أن إدمان القات واللامبالاة بالوقت يكرسان ثقافة الكسل والاعتماد على الغير، ويحولان المجتمع إلى مجتمع استهلاكي عاجز عن التطور أو المبادرة.
رابعا: النتائج الإدارية والسلوكية:
تأخر المسؤولين والموظفين عن الدوام الرسمي يعكس ضعف الالتزام المهني ويخلق بيئة إدارية غير منضبطة. فالقيادي الذي يصل إلى مكتبه قرب نهاية الدوام لا يمكن أن يكون قدوة لمرؤوسيه، مما يؤدي إلى انتشار الفوضى الإدارية وتعطيل مصالح المواطنين وتراكم القضايا دون حل.
من الحلول المقترحة لمعالجة هذه ظاهرة عدم تقدير الوقت:
1. ترسيخ الوعي الديني والأخلاقي بأهمية الوقت من خلال المناهج التعليمية والخطاب الديني والإعلامي.
2. فرض الانضباط الإداري ومحاسبة المقصرين والمتأخرين عن العمل، وربط الحوافز والترقيات بالالتزام الزمني.
3. تفعيل ثقافة إدارة الوقت في المؤسسات التعليمية والإدارية عبر برامج تدريبية.
4. الحد من ظاهرة القات تدريجيا من خلال رفع الوعي بخطورته الاقتصادية والصحية والاجتماعية، وتشجيع الأنشطة الإنتاجية البديلة.
احترام الوقت ليس مجرد التزام شكلي، بل هو قيمة حضارية واقتصادية وأخلاقية. وما لم يدرك اليمنيون أن الوقت هو رأس مال الحياة، فإن ضياعه سيبقي المجتمع في دائرة الفوضى والركود. فالمجتمعات التي تحترم الوقت تبني مستقبلها، بينما التي تهدره تدمر حاضرها ومستقبلها في آن واحد.