أحكي قصة حقيقية حدثت لي في منتصف العام 2015 م وتُعد من أغرب تجاربي الشخصية الهامة التي رغبت في مشاركتكم بها لما لها من أهمية عند التواصل مع الآخرين بحسن نية. فقد حدث ذات مرة أنني كنت مع أحد الأصدقاء الذين كانوا يُظهرون لي وُدًّا أخويًّا مزيّفًا أكثر من اللازم. وهذه القصة أعتقد أنها تجسد أن أعظم ما يمكنك القيام به تجاه أي شخص ليس أن تمنحه جزءًا مما لديك، بل أن تُكشف له ما يملكه هو بالفعل. وطوال الفترة التي عرفته فيها، كنت أرغب في أن أقدّم له المساعدة وأمدّه بالأفكار والتوجيه لأي عمل يرغب ان يعمله في المجال التجاري. وبعد معرفتي به بفترة، بدأ يطرح عليّ مشاريع عديدة وخطط عمل كبيرة، رغم إدراكه في داخله أنه لا يملك أي معرفة مسبقة بالعمل التجاري. لكنه كان يتطفل ويصرّ ويدّعي المعرفة أمام كل من يعرفهم. ومع ذلك كنت معه صريحًا للغاية، إذ أوضحت له أنني لا أشارك أحدًا في أعمالي مهما كانت الظروف المحيطة بذلك المشروع مغرية. وفي أحد الأيام، أحضر معه أربعة أشخاص آخرين من أصدقائه، وطلب مني المشورة وتوجيههم في كيفية إدارة ذلك المشروع. وعندما ذهبت إليهم، استقبلوني بترحيب مبالغ فيه، وذهبنا إلى أحد المطاعم الراقية المشهورة على البحر، وكان الجو جميلا رائعا بروعة المكان ومناسبًا للنقاش. كانوا جميعًا آذانًا صاغية للتوجيه من أجل إنجاح مشروعهم، الذي كان في الأساس فاشلًا لغياب الوضوح، ولسوء الإدارة، وعدم وجود رأس المال الكافي لاستمراره. ونظرًا لتجربتي ومعرفتي ، كنت أشرح لهم بصدق وأمانة كل ما لدي من معلومات قيمة تُعينهم على إنجاح المشروع. ولم أتحدث يومًا مع أي مجموعة، في أي مكان كان أو وقت، بهذا الشكل المكثف. وكنت على يقين أنهم لا ينصتون بصدق وحقيقة لما أقول، بل ينصتون في عقولهم لما يوافق أهواءهم، مستندين إلى صديقي المزيّف الذي كان يقطع حديثي بين الحين والآخر قائلاً: "أنت شخص عظيم." وكنت في أعماق قلبي لا أصدّق ما يقول، فأنا أعلم يقينًا أنني لم آتِ لإلقاء محاضرة، وإنما بدافع حب الخير وتوجيههم نحو النجاح. لكنني اكتشفت لاحقًا أن ذلك اللقاء قد أُعِدّ لي كفخّ محكم لاقناعي بالمشاركة معهم في ذلك المشروع . كنت أعلم أن الكلمة المنطوقة من أقوى الأسلحة التي صمّمها الإنسان، سواء للخير أو للشر. ومن خلال تلك اللحظة التي تخلّلها نقاش روحي وعملي مستفيض في عمق موضوع العمل، شعرت أنني أحرث في أرض بور. وعندما فشلوا اقناعي في الوصول إلى الهدف الذي جاؤوا من أجله، أيقنت بما لا يدع مجالًا للشك أن اللقاء كان فاشلًا ومخيبًا لآمالهم. لقد ادركت من خلال تجاربي الشخصية أن بناء صورة ذاتية صحية في علاقتك بالآخرين فإنك تحصل على افضل مافي الآخرين. وإذا اقتنعت بهذه الأفكار، سيجعلك دائمًا في القمة. وبعد بضعة أسابيع، وصلتني مكالمة من أحدهم بينما كانوا مجتمعين في أحد المقاهي للسهر بعد منتصف الليل. وقد استرجعوا تلك اللحظة الفاشلة التي كشفت نواياهم فيها ، وأرادوا من خلال تلك المكالمة السخرية والتقليل من القيمة لما قدّمته لهم من نصائح مهمة. فكان طلبهم الغريب مني: "نريد طلبية كيلو ثوم من الصين ليلحقوا موسم زراعة مزرعة أحدهم." في تلك اللحظة، اكتفيت بالضحك على ما بدر منهم دون أي تعليق. فقد كنت مقتنعًا بما لا يدع مجالًا للشك أنني لا أستطيع أن أؤدي أكثر مما أعتقد أنني قادر على القيام به. كما أنني أدركت أن التفكير الإيجابي لا يصلح لكثير من الناس، ليس لأنه غير فعّال، بل لأنهم لا يعتقدون أنهم يستحقون النجاح، ويظنون أنهم لا يرتقون لتحقيقه.
26 / 9 / 2025