بينما يعيش اليمنيون أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث، يصرّ مجلس القيادة على تكرار مشهد الاستعراض الفارغ في كل عام: وفود رسمية ضخمة، طائرات خاصة، فنادق فاخرة، وولائم دبلوماسية بملايين الدولارات… والنتيجة؟ لا شيء سوى صور بروتوكولية وحديث مكرر عن السلام.
التقارير تشير إلى أن تكلفة رحلة وفد رسمي بهذا الحجم إلى نيويورك قد تتجاوز 3 إلى 5 ملايين دولار بين تذاكر طيران درجة أولى، وحجوزات في فنادق الخمس نجوم التي يتراوح سعر الغرفة فيها بين 700 – 1200 دولار لليلة، إلى جانب بدل السفر والمصاريف الجانبية. في الوقت ذاته، يعيش أكثر من 17 مليون يمني في انعدام غذائي حاد، ويقف الموظف في طوابير الذل منتظرًا راتبًا منقطعًا منذ سنوات لا يتجاوز 100 دولار شهريًا لو صُرف.
أي منطق هذا؟! شعب بلا كهرباء ولا مياه، اقتصاد منهار، أمن غائب، جبهات ملتهبة، أطفال يموتون جوعًا ومرضًا… وفي المقابل، وفد رسمي يتنعم في نيويورك بأموال عامة مسروقة من أفواه الجائعين.
لقد تحوّل مجلس القيادة من عنوان أمل في بداية تشكيله، إلى عنوان بذخ وفساد وانفصال عن معاناة الناس. لم يعد المواطن ينتظر من سفراتهم شيئًا، لأنه يعرف سلفًا أن العودة ستكون كالمغادرة: بلا نتائج، بلا حلول، بلا أثر.
اليمن بحاجة إلى قيادة تعيش واقعه، لا إلى قوافل من السائحين السياسيين. اليمن بحاجة إلى رجال دولة يختصرون الإنفاق، يفتحون حوارًا صادقًا، ويضعون الوطن على طاولة العالم بجدية ومسؤولية.
أما من يظن أن صور نيويورك تُطعم جائعًا أو تُشغّل محطة كهرباء أو تحل أزمة وقود، فهو لا يخدع إلا نفسه.
اليمن لن ينهض بالخطابات ولا بالمظاهر، بل بإرادة حقيقية تضع المواطن قبل الاستراحة الفندقية، والوطن قبل مقعد الطائرة الخاصة.
اللواء الركن : سعيد محمد الحريري
