قضيت إجازتي الأخيرة في عدن، وموطن رأسي محافظة أبين مدينتي التي تحمل ذكرياتي ووجعي وحبي، والتقيت فيها الأصدقاء واستعدت معها شيئًا من رائحة الماضي. لكنني لم أكن أتوقع أن يكون الاشتياق لمصر بهذا العمق، ولم أكن أظن أنني سأفتقدها بهذا القدر.
وما إن أقلعت الطائرة عائدة إلى القاهرة، حتى شعرت أن قلبي يسبقني إليها. وحين هبطت الطائرة في مطار القاهرة، تذكرت قول الله تعالى في محكم تنزيله:
﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾.
لم يكن ذلك مجرد آية تتلى، بل كان حقيقة تتجسد أمامي. لحظة أن وطئت قدماي أرض مصر، اجتاحني شعور غامر بالأمان والسكينة، كأن هذه الأرض المباركة تحمل في ترابها سر الطمأنينة، وفي هوائها عبق الحضارة الممتد آلاف السنين.
إن مصر ليست مجرد مكان أقيم فيه، بل هي وطن للروح، وملاذ للنفس، وجسر يربط بين الماضي والحاضر. فيها تجد العروبة معناها، ويجد القلب حضنه، ويجد الفكر رحابته.
عدت إليها محمّلًا بشوق الغريب إلى بيته، وبفرح العائد إلى أمانه، وبقيت أردد في داخلي: "حقًا.. من يدخل مصر، يدخلها آمنًا مطمئنًا".