آخر تحديث :الأربعاء-31 ديسمبر 2025-06:21ص

سيمفونية المطر لحن الحياة الذي تتراقص معه الطبيعة في لوحةٍ خرافية بديعة

الثلاثاء - 16 سبتمبر 2025 - الساعة 08:02 ص
علوي سلمان

بقلم: علوي سلمان
- ارشيف الكاتب


ما أن تلامس زخات المطر الأولى وجوهنا، حتى تستيقظ فينا فرحةٌ عارمة، وتتراقص في أرواحنا ألحانٌ رفيعة المستوى، تتجاوز حدود الكلمات. بطريقةٍ سرياليةٍ ساحرة، تتناثر الكلمات الموحية بالشكر والدعاء، تتوسل إلى السماء أن تهطل علينا بالغيث المبارك، غيثاً يروي الأرض دون أن يحرقها ببرده، أو يغرقها بفيضانه. إنها لحظةٌ فسيولوجيةٌ فريدة، تتناغم فيها أجسادنا مع إيقاع الطبيعة، فتهدأ أعصابنا، وتستريح مشاعرنا وأفكارنا، بينما تنطلق هواجسنا التعبيرية والخيالية في رحلةٍ عبر الزمن والمكان، لتصوير الموقف ورسم معالم الجمال الطبيعي الذي يتجلى أثناء هطول قطرات المطر. هذه القطرات، التي هي أشبه بقيثارةٍ تعزف ألحاناً عذبة، تُعزف على قلوبٍ مستهامَةٍ وغارقةٍ في عمق الحب والانس، وتتأمل المناظر الخلابة التي ترسمها الطبيعة.


وبينما تتفتح الأزهار وتتزين الأشجار، ترفع شجرة السدر، تلك الشجرة العريقة، مقلتيها نحو السماء، وكأنها تتلقى هدايا السماء بامتنانٍ بالغ. تزخ حبيبات المطر على أغصانها، فتزداد بهجةً واخضراراً، وتتألق كعروسٍ تزينت بأبهى حللها. ومن بين أفنانها المتشابكة، يتطلع زهرٌ أبيضٌ ناصع، كأنه لؤلؤٌ تناثر على وشاحٍ أخضر. هذا الزهر، الذي يقتات منه النحل الطائر، وعندما يحطّ أسفاره عليه، يصنع منه عسلاً مصفى. يُعد عسل السدر، بصفائه ونقائه، أرقى وأغلى أنواع العسل، وأكثره منفعةً للتداوي به، ويُصرف للمرضى من قبل الاستشاريين والمتخصصين، كدواءٍ سماويٍّ يبعث الشفاء.


في المقابل، تقف شجرة العسقل، التي أظناها الظمأ جراء وهج الشمس ولفحتها وسط الظهيرة. تذبل أوراقها، وتضعف رونق وجمال خضرتها، وكأنها تئنّ من قسوة الحرارة. لكن مع قدوم المطر، تبدأ الحياة تدب فيها من جديد، وتستعيد حيويتها، لتشارك الطبيعة فرحتها.


وبشأن الأرض والجبال، تتكلم الطبيعة بألسنة السواقي، وتتدفق المياه فيها بشكل شلالاتٍ ملتويةٍ ومدرجةٍ وحليقات، كأنها سلسلةٌ ذهبيةٌ امتدت من السماء إلى الأرض، لتنسج لوحةً فنيةً لا مثيل لها. وتجري جداول الماء بين الأشجار، فتصبح وارفة الظل، زاهية الجمال، بهية الأوراق والأفنان. هذا المشهد الخلاب يدعو العصافير، في أجواءٍ ساحرةٍ وهواءٍ طلق، لتتنقل بين كثافة الأشجار وخمائل الورود. فترقص طرباً، وتصدح بأعذب الألحان، وتغني بصوتها الشجي، مشكلةً لوحةً مكتملةً من الجمال والبهاء والرونق، حيث يتجلى الزهر والظل، والغيوم والسواقي المنسكبة، وماءٌ متلألئٌ يعكس رونق الشمس، والهدوء الذي يلف المكان، والرياحين الفواحة التي تنشر عبيرها في الأجواء. إنها سيمفونيةٌ طبيعيةٌ، تعزفها الحياة على أوتار الروح، وتترك فينا أثراً لا يُمحى.


علوي سلمان