آخر تحديث :الخميس-27 نوفمبر 2025-07:36م

حين لم تَخَفْ الكاميرا

الإثنين - 15 سبتمبر 2025 - الساعة 10:48 ص
د. خالد عبدالكريم

بقلم: د. خالد عبدالكريم
- ارشيف الكاتب


لم يفطن الحشد الصغير كيف ومتى اعتلت أصالة نصري خشبة المسرح المتنقل الذي جرى تركيبه في إحدى زوايا ملعب كرة القدم في الشيخ عثمان. من فورها بدأت بأغنية ( أكثر من اللي بحلم بيه)، أيقونة ألبومها الأخير آنذاك. كان واضحاً أنها مرتبكة، بل خائفة. لم يكن هناك جمهور حقيقي يشجعها أو يصفق. مجرد مجموعة من صغار السن وقفوا خلف خمسة مقاعد وتيرة وضخمة وضعت ليقعد عليها مسؤول محلي كبير، وزوار قدموا من صنعاء و كرسي خصص لزوج أصالة طارق العريان.


أنهت أصالة أغنيتها الأولى ولوحت بيدها تحيي الجمهور. كانت في الثامنة والثلاثين من عمرها، ترتدي بنطلون جينز وقميص أبيض بسيط عليه سترة جلدية سوداء، من دون أي تكلف أو مكياج. المشهد بدا أبعد ما يكون عن صورة النجوم المعتادة.


كنا في عام 2008. يومها أُوكلت إليّ مهمة الإشراف على التغطية التلفزيونية والبث المباشر للحفل من الملعب. ولعل استعادتي لهذه الليلة تأتي بمناسبة الذكرى الحادية والستين لتأسيس تلفزيون عدن، التي مرّت الأسبوع الماضي، فهي إحدى المحطات الكثيرة في ذاكرتي المهنية.


كان الإعلان عن إقامة الحفل قد أثار استياء التيارات المتشددة، التي توعدت علناً بقصف الموقع. فقد أصدر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بياناً تناقلته وسائل الإعلام العربية طالب فيه بإلغاء الحفل، واعتبره “دعوة لنشر الفسوق ”. حتى بعض أعضاء مجلس النواب هاجموا الحكومة، قائلين إنها “ترقص على معاناة الناس في عدن وتبذر أموال الدولة”.


ورغم كل ذلك، صدرت الأوامر بالتنفيذ. انطلقتُ مع عربة النقل الخارجي وطاقمها الفني إلى الموقع.


الظلام يحيط بالمكان. القلق بادياً على أصالة.

بعد أغنية مطلعها يقول:

لا تخاف من الزمان

الزمان ماله أمان

بعفوية وجهت كلامها للجمهور بلكنة سورية قوية "إذا صار شئ هون أو هون إطلَّعوا عليّ لأن أنا عم خاف، فخليكم معي".


رغم التوتر تمكنا من إنجاز البث المباشر بنجاح. لم تَخَفْ الكاميرا. كان تلفزيون عدن أول الحاضرين وآخر المغادرين.


قبيل منتصف الليل، وبينما كنت في طريقي للعودة، رنّ هاتفي. إعلامي صديق يسألني:

هل ما زلت حياً؟

نعم.

وهل وافق طاقم النقل على تغطية الحفل؟

نعم.

عجيب! الحمد لله على السلامة.