خمسة وثلاثون عاماً مرّت منذ أن أبصر التجمع اليمني للإصلاح النور في سبتمبر، الشهر الذي احتضن ميلاد الجمهورية قبل أن يحتضن ميلاد الإصلاح بربع قرن. وكأن القدر أراد أن يقترن مولد الفكرة بميلاد الدولة، ليكون الإصلاح امتداداً طبيعياً للحركة الوطنية التي فجّرت الثورات، وكسرت قيود الإمامة، وفتحت لليمنيين دروب الحرية.
طيلة هذه العقود، لم يكن الإصلاح حزباً عابراً أو تنظيماً مؤقتاً، بل كان فكرة راسخة في وعي اليمنيين، ومنهجاً متجذراً في قلوبهم. فكرةٌ لم تحنِ لها عواصف الطغيان رأساً، ولم تكسر شوكتها محاكماتٌ ولا معتقلات، ولم تُثنِها حملات التشويه ولا جراح المعارك.
من رحم المجتمع اليمني
نشأ الإصلاح من مختلف شرائح المجتمع وفئاته، فكان صورة مصغرة لليمن الكبير. ولأنه وُلد من قلب الشعب، ظل يعبر عن همومه وتطلعاته، ويتحرك في فضاء الوطن لا في حدود الجغرافيا. الإصلاح لم يكن يوماً حزب قبيلة أو منطقة أو أسرة، بل كان مساحة جامعة لليمنيين على اختلاف مشاربهم.
حزب وطني تأسس في زمن التعددية
لقد تأسس الإصلاح كحزب سياسي يمني في ظل قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية، بعد أن أصبحت اليمن دولةً تعددية تتسع لكل الأصوات والتيارات. ولم يكن ميلاده استجابة لظرف طارئ، بل امتداداً لنضالات الحركة الوطنية اليمنية، واستلهاماً لأهداف ثورتي السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر، اللتين وضعتا أسس الجمهورية، ورسختا مبادئ الحرية والعدالة والسيادة الوطنية.
هوية مدنية وطنية
خلال مسيرته السياسية، أثبت الإصلاح أنه كيان مدني الهوية، سياسي الانتماء، وطني الجذور. لم يُرهن نفسه لأي مشروع خارجي، بل صاغ مشروعه من تربة اليمن ودماء شهدائه. وحين انخرط في العملية السياسية، فعل ذلك بروح المشاركة والتوافق، مدركاً أن الشراكة لا تقل أهمية عن المنافسة، وأن الوطن لا يُبنى بيدٍ واحدة.
الإصلاح والثورات اليمنية
لم يكن الإصلاح طارئاً على النضال الوطني، بل امتداداً طبيعياً لمسيرة الثوار الأوائل. فمن ثورتي سبتمبر وأكتوبر، استلهم قيم الحرية والعدالة والجمهورية، وظل متمسكاً بها وهو يواجه مشاريع الردّة والإمامة المعاصرة ممثلة في مليشيا الحوثي، التي لا ترى في الوطن إلا ساحة لتصدير أجندة طهران.
مدرسة الشراكة والتوافق
من حكومة الشراكة الوطنية، وتجربة اللقاء المشترك إلى التحالف الوطني لدعم الشرعية، وصولاً إلى التكتل الوطني للأحزاب والقوى السياسية، كان الإصلاح في قلب التحالفات الوطنية. لم يحتكر قراراً، ولم يغلق باباً، بل ظل يمد يده لمختلف القوى، مؤمناً أن السياسة لا تستقيم إلا بالتوافق، وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوفاق الوطني قضية.
الإصلاح والفعل المقاوم
في سنوات الحرب الأخيرة، برز الإصلاح كأحد أعمدة الدفاع عن الدولة والجمهورية. قدّم رجاله في الجبهات، وساند الجيش الوطني، وكان جزءاً أصيلاً من المعركة ضد الانقلاب الحوثي. لم ينحصر دوره في السلطة أو المعارضة، بل كان ثابتاً على موقف واحد: مع الوطن، ومع الشرعية، ومع الدولة.
المرأة الإصلاحية: شقائق الرجال وشريكات البناء
لم يتعامل الإصلاح مع المرأة بوصفها رقماً مكمّلاً أو حضوراً شكلياً، بل اعتبرها في نظامه الداخلي ولوائحه التنظيمية شقائق الرجال، وشريكات أصيلات في النضال والعمل الوطني. ومن هذا المنطلق، كان حضورها فاعلاً وراسخاً في مختلف المستويات: من المشاركة في الانتخابات الداخلية للحزب، إلى عضويتها في المؤتمر العام ومجلس الشورى، ومن صناديق الاقتراع إلى ميادين الفعل السياسي والاجتماعي. وهكذا أثبتت المرأة الإصلاحية أن البناء الوطني لا يكتمل إلا بجهدها، وأن الشراكة الحقيقية لا تعرف إقصاءً ولا تهميشاً.
الإصلاح وفلسفة البقاء
لقد أخطأ خصوم الإصلاح حين ظنوا أن الحزب مرهون بقياداته أو رموزه. فقد غاب رجال واعتُقل آخرون، وصودرت الجامعات والمؤسسات الفكرية، وأُغلقت منابر الوعي، لكن الفكرة ظلت حيّة نابضة. الإصلاح لم يعد مقرات اوبطاقات حزبية أو شعارات انتخابية، بل أصبح مواقف وطنية، ورسالة سياسية، وروحاً جماعية تستعصي على القمع والاستئصال.
كلمة الختام
خمسة وثلاثون عاماً من النضال أثبتت أن الإصلاح ليس تنظيماً يتكئ على الأشخاص، بل مدرسة تتجدد بأجيالها، وتصمد بثوابتها، وتبقى بمبادئها. وكما انبثق من قلب سبتمبر الأول، ها هو يتجدد في سبتمبر الخامس والثلاثين، شامخاً رغم العواصف، راسخاً رغم الحملات، باقياً رغم كل محاولات الاجتثاث.
حسب الإصلاح أنه الإصلاح، وحسب الإصلاح أن حسبه الله ونعم الوكيل.
ولن ترى الدنيا على ارضي وصيا ،،،
،،،،،،،،،
✍️ عبدالعزيز الحمزة
الاحد ٧ سبتمبر ٢٠٢٥م