بقلم: د/ عارف محمد عباد السقاف
تشهد عدن أزمة سيولة محلية غير مسبوقة، إذ اختفت كميات كبيرة من الريال اليمني القعيطي من السوق، في الوقت الذي تتوفر فيه العملات الأجنبية مثل الريال السعودي والدولار الأمريكي بكثرة. هذه المفارقة خلقت حالة من الارتباك الاقتصادي وأثارت تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء ندرة النقد المحلي، رغم أن الأسواق والمصارف تزخر بالعملات الأجنبية.
أسباب اختفاء السيولة من الريال اليمني القعيطي:
١. كثير من البنوك التجارية وبنوك الصرافة تعمد إلى احتجاز السيولة المحلية وعدم ضخها في السوق، وذلك كنوع من التحوط في مواجهة تقلبات سعر الصرف. فهي تراهن على انخفاض محتمل في قيمة العملات الأجنبية، ما يسمح لها بتحقيق أرباح إضافية من خلال إعادة بيع الريال اليمني بأسعار أعلى.
٢. ضعف الرقابة المصرفية وغياب سياسة نقدية واضحة من البنك المركزي في عدن أسهما في تمكين الصرافين من التحكم في المعروض النقدي. فالمركزي لم يتمكن حتى الآن من فرض آليات صارمة تلزم الصرافين والبنوك بتغذية السوق بالسيولة بشكل منتظم.
٣. جزء من الريال اليمني المتداول في عدن ينقل سرا إلى محافظات أخرى – خاصة تلك الخاضعة لسلطات صنعاء – بغرض تمويل التجارة الداخلية أو شراء عملات أجنبية من هناك. هذه الحركة المستمرة تخلق فجوة نقدية داخل عدن.
٤. عدد من كبار التجار و المستوردين يحتفظون بكميات كبيرة من الريال القعيطي خارج التداول، إما كوسيلة ضغط أو لتمويل عملياتهم التجارية في أوقات معينة، الأمر الذي يقلل من دوران النقود بين أيدي المواطنين العاديين.
٥. تأخر صرف المرتبات الحكومية وانخفاض حجم الإنفاق الرسمي خفضا من السيولة المتاحة في السوق. ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، تتكدس النقود عند قلة من الفاعلين الاقتصاديين بدلا من أن تتحرك بحرية في السوق.
النتائج المترتبة عن ذلك:
تدهور إضافي في القدرة الشرائية للمواطن، إذ ترتفع أسعار المواد الأساسية والخدمات مع كل موجة تقلب محتملة في الصرف.
نمو السوق السوداء وزيادة المضاربة بالعملة المحلية والأجنبية.
تراجع الثقة في النظام المصرفي، إذ يرى المواطنون أن البنوك والصرافين أصبحوا جزءا من المشكلة بدلا من الحل.
أزمة السيولة في عدن ليست مجرد نقص في الأوراق النقدية، بل انعكاس لخلل هيكلي في السياسة النقدية والرقابة على السوق المالية. استمرار احتجاز الريال اليمني القعيطي من قبل بنوك الصرافة والبنوك التجارية، في مقابل وفرة الدولار والريال السعودي، يضع الاقتصاد المحلي على حافة اختناق نقدي يهدد استقرار الحياة اليومية.
الحل يتطلب تدخلا عاجلا من البنك المركزي والحكومة عبر ضخ سيولة كافية، وتشديد الرقابة على البنوك وشركات الصرافة، وضمان صرف المرتبات بشكل منتظم، حتى تستعيد السوق توازنها و تخف معاناة المواطنين.