تعيش مؤسسة التأمينات الاجتماعية في صنعاء واحدة من أحلك مراحلها، بعدما وجدت نفسها تحت سلطة الأمر الواقع لجماعة الحوثي، التي حوّلتها من مؤسسة مدنية خدمية إلى ساحة صراع وضغوطات نفسية تمارس على كوادرها. هذه الضغوط لم تعد مجرد إجراءات إدارية أو سياسية، بل تحولت إلى وسيلة قمعية ممنهجة دفعت بعدد من أبرز الكفاءات الوطنية إلى مغادرة مواقعهم، بعضهم رحل صامتاً، وآخرون غيّبتهم الأمراض الناتجة عن التهديدات والضغوط المتواصلة.
آخر هؤلاء الكفاءات كان الفقيد سلطان الحكيمي، أحد أعظم كوادر المؤسسة، الذي ترجل عن مسيرته بعد أن قضت عليه جلطة قلبية حادة، نتيجة ما تعرض له من ضغوط نفسية خانقة وممارسات قمعية لم تترك له مجالاً للعمل بروح الخدمة العامة التي كرّس حياته لها.
ما يجري داخل المؤسسة يمكن وصفه بأنه حرب صامتة على الكفاءات. فالجماعة المسيطرة تمارس سياسة الإقصاء والتهميش على كل موظف أو قيادي يرفض الانصياع لتوجهاتها أو يواجه فسادها. ومع غياب بيئة العمل السليمة، تحولت مكاتب المؤسسة إلى أماكن مليئة بالخوف والقلق، حيث يعيش الموظفون بين مطرقة التهديد وسندان الصمت، فيما يدفع البعض حياتهم ثمناً لكرامتهم وموقفهم.
رحيل الحكيمي، وقبله آخرون من موظفي المؤسسة، لم يكن مجرد حدث طبيعي، بل جاء نتيجة مباشرة لضغوط متراكمة: تهديدات نفسية، إقصاء وظيفي، ممارسات تعسفية، وبيئة خانقة تُفقد الإنسان أبسط مقومات العيش والعمل. وما الجلطات والذبحات الصدرية التي أودت بحياتهم إلا انعكاس لمستوى الظلم والضغط الذي تعرضوا له.
إن ما يجري في مؤسسة التأمينات الاجتماعية ليس شأناً داخلياً فحسب، بل قضية وطنية تستدعي وقفة جادة من جميع القوى الوطنية والمجتمعية، باعتبارها مؤسسة تمس حياة الملايين من المتقاعدين والموظفين وأسرهم. استمرار سياسة تكميم الأفواه وإزاحة الكفاءات بهذه الطريقة يعني تدمير المؤسسة وحرمان الشعب من حقوقه التي كفلها القانون.
رحيل سلطان الحكيمي ليس مجرد فقدان لشخص، بل خسارة لقيمة وطنية ورمز إداري شريف. والأهم أن يتحول رحيله إلى جرس إنذار يدعو الجميع إلى إدراك حجم الكارثة التي تعيشها المؤسسات العامة تحت سلطة القمع، والعمل من أجل إنقاذ ما تبقى من مؤسسات الدولة قبل أن تنهار تماماً. على المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية الوقوف أمام ذلك.