آخر تحديث :الجمعة-19 سبتمبر 2025-01:18ص

الشرعية المؤسسية حجر الزاوية في القضايا الوطنية

الجمعة - 05 سبتمبر 2025 - الساعة 03:18 م
هبة العيدروس

بقلم: هبة العيدروس
- ارشيف الكاتب



عندما ننظر إلى التجربة اليمنية، نجد أن مشروع الوحدة عام 1990، رغم عظمته من حيث المبدأ، إلا أنه لم يصمد أمام التحديات لأنّه افتقد الأساس المؤسسي والقانوني الصلب. فالوحدة قامت على اتفاق سياسي سريع، دون بناء هياكل دستورية وإدارية متينة تستوعب التنوع وتوزيع السلطات والموارد بعدالة. وهكذا، تحوّل المشروع من حلم وطني جامع إلى مصدر صراع، لأنّه لم يُؤسس على قاعدة مؤسسية تُنظم الحقوق والواجبات وتضمن الاستمرارية.


ومن هنا، فإن القضية الجنوبية، رغم عدالتها ومشروعيتها، لن تتحول إلى واقع دائم إلا إذا ارتبطت بـ مؤسسات قوية وشرعية قانونية راسخة، بعيدًا عن الارتجال، أو المحاصصة، أو منطق القوة المؤقتة أو المفرطة.


فالقضايا الوطنية تشبه البذور؛ لا تنبت إلا في تربة صالحة، وتربة الحقوق هي "المؤسسات". وحين تُطرح المطالب عبر الأطر الشرعية والقانونية، تصبح جزءً من النظام العام لا مجرد شعار عابر.

لذلك اختيار القيادات وفق معايير الكفاءة والشرعية ليس رفاهية، بل ضرورة وجودية. فالمؤسسة التي يقودها شخص مؤهل قانونيًا وخبيرًا مهنيًا يستطيع الدفاع عن المطالب بصلابة، بينما تفقد القضية مصداقيتها إذا تصدّرها من يفتقر للشرعية أو الكفاءة.


ولأن الحقوق لا تُنتزع بالضجيج الإعلامي ولا بالصوت المرتفع، بل تُكتسب عبر المسارات القانونية والدستورية، فإن الضغط السياسي يظل وسيلة مساعدة لا بديلًا عن الشرعية. ويكفي أن نضع مثال "المنحة الدراسية الإماراتية" على الرغم من كونها تعبيرًا عن دعم كريم، إلا أنها افتقدت الجانب المؤسسي والرقابي، ما أثار حولها جدلًا واسعًا وقلّل من فاعليتها.

والإضاءة هنا: أن كل دعم أو حق لا يمر عبر المؤسسات يظل هشًا، بينما ما يمر عبرها يكتسب القوة والاستمرارية.


إن القضايا الوطنية تشبه البناء؛ إن شُيّد بلا أساس قانوني، انهار مع أول زلزال سياسي. أما إذا وُضع على أرض مؤسسية صلبة، فإنه يصمد ويُخلّد، ويتحوّل من مطلب جماهيري إلى إنجاز تاريخي تصونه الأجيال وتبني عليه.


والرسالة الجوهرية المراد إيصالها أن المؤسسة والشرعية القانونية هما حجر الزاوية لأي انتصار وطني. وحده هذا الطريق يحوّل الحق إلى واقع، والمطلب إلى سياسة، والحلم إلى إنجاز دائم. أما عدا ذلك، فيبقى صدى مؤقتًا يتبدد مع تقلبات الوقت والمصلحة.