عندما تحركت قيادة حلف قبائل حضرموت، ودعت جميع شرائح المجتمع ومنظماته المدنية إلى اجتماع عام لاتخاذ موقف تجاه حالة اضمحلال دور مؤسسات الدولة وتردي الخدمات الضرورية لسكان محافظة حضرموت، المحافظة الأكبر والمحورية في إقليم حضرموت بما تمتلكه من موارد طبيعية واجتماعية، كان الحضارم يتوقعون التجاوب الإيجابي من قبل رئيس مجلس القيادة الرئاسي، فخامة الدكتور رشاد العليمي، الذي قدم إلى حضرموت في ثاني زيارة له خلال عام واحد من زيارته الأولى بعد تشكيل هذا المجلس.
لكن هذا المجلس شلّته تناقضاته الحزبية وتقاطع قواه المناطقية التي تشكلت عقب مواجهة انقلابيي صنعاء، فعجز ـ أو لنقل فشل ـ في استثمار كل الإمكانات التي توفرت له لإسقاط الحوثيين. بل إن إخفاقاته أسهمت في خدمة الانقلابيين بممارسات غير مدروسة دفعت بسكان إقليم آزال إلى الوقوف في خندق الحوثيين. ومن تلك الممارسات تشكيل حكومات الشرعية الثلاث التي حجبت بعض الوزارات عن سياسيي الإقليم، في الوقت الذي مكنت فيه المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي من أهم الوزارات السيادية، ومنها وزارات تتعمد استفزاز حلف قبائل حضرموت.
وكان آخر هذه الاستفزازات يوم الأربعاء 3 سبتمبر، حين أُرسلت قوة عسكرية مناطقية وجهوية إلى هضبة حضرموت، بهدف خلق هوّة بين قوة النخبة الحضرمية وأهلها، لتسهيل القضاء على حركة حضرموت تحت مبرر أن حلف قبائل حضرموت في الهضبة ليس إلا تمرداً على الشرعية ولا يمتلك أي مشروعية سياسية. وهنا يطرح السؤال نفسه: لمصلحة من، وفي ظل هذه الظروف، تُستخدم ألوية عسكرية تابعة للانتقالي الجنوبي وغير مستقلة عن داعميه ـ وفي هذا التوقيت تحديداً؟
لعله من المناسب، ونحن في حضرموت نواجه تحديات مصيرية خطيرة تقف خلفها قوى إقليمية ودولية واضحة، أن نذكّر بالمثل العربي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير. فالمسؤولية اليوم تقتضي من مختلف القوى اليمنية المكوّنة للشرعية وقفة جادة لمراجعة مواقفها تجاه مطالب الحضارم بالحكم الذاتي، الذي يُعاد من خلاله بناء مؤسسات الدولة لإدارة حضرموت.
وإلا فإن هذه الخطط ستتحول إلى مشاريع تهديد وجودي لدولة اسمها اليمن، من خلال تقزيم حضرموت وبأدوات حضرمية نفسها، عبر محاولات إحداث فتنة تشق صفوف المجتمع الحضرمي. وبوادر ذلك ماثلة للعيان، سواء عبر إرسال أتباعهم، أو من خلال إصرار الانتقالي الجنوبي على إرسال يحيى الشعيبي للإشراف على حضرموت. وهذا ليس إلا استفزازاً واستخفافاً بالحضارم المنتمين للانتقالي، تماماً كما فعل السيد علي سالم البيض بعد تسلّم بريطانيا حضرموت للجبهة القومية في سبتمبر 1967، عندما أحضر معه عبدالله الأشطل للإشراف على حضرموت، في وجود القوميين الحضارم أمثال فيصل العطاس (النعيري) وعمر العكبري وصالح منصر السيلي وغيرهم. فما أشبه اليوم بالبارحة، مع فارق التجربة المتمثل في رفض انتقاليي حضرموت للشعيبي، وقبله القائد أبو علي ـ صالح بن الشيخ أبوبكر، ليعود إلى مقر إقامته في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ومع ذلك، ما تزال آفاق القوى اليمنية مغلقة.
نحن اليوم في منتصف اليوم الثاني (الخميس)، ولم يصدر أي استنكار من قبل الشرعية ـ رئاسة وحكومة ـ ولا من أي مكوّن مشارك فيها، تجاه العملية الاستفزازية العسكرية في هضبة حضرموت.
مع أن الحضارم لا يطالبون ببيان توبيخ لوزير الدفاع، كونه يمثل الانتقالي في حكومة توافق الشرعية، ولا للأخ مبخوت بن ماضي، الحاكم الإداري لمحافظة حضرموت ورئيس اللجنة الأمنية، ولا لغيرهما ممن يعتبرون الحلف غير ذي شرعية. فكل تنظيم سياسي حامل لقضية يستمد شرعيته من الشعب الذي يطالب بتغيير السلطة لا من السلطة نفسها.
لكن استمرار هذه الثقافة السياسية لن يؤدي إلا إلى انسداد الأفق نتيجة تراكم الأخطاء وغياب المحاسبة.
صحيح أن الموقف متوقع، لكن أين موقف القوى المجتمعية اليمنية؟ إن كل ذلك ـ وأكثر ـ لن يفضي إلا إلى عقم سياسي، الأمر الذي يحتم على حلف القبائل والمؤتمر الجامع الحضرمي التواصل مع التحالف العربي لوضع حد لهذه الممارسات وما يمكن أن ينتج عنها من مخاطر، وهي مخاطر لن تتوقف عند جغرافية حضرموت وحدها، بل ستتعداها إلى أبعد من الأقاليم اليمنية.
فإذا تُرك الحبل على الغارب للانتقالي، فإن النهاية ستكون كارثية. فحضرموت، حتى أصغر مديرياتها، أكبر بأضعاف المرات من جنوب اليمن أو إقليم عدن، بل وحتى من بعض دول الخليج العربي.
وعليه، نحن لا نستجدي، بل نحذر ونطالب الجميع بتحمّل مسؤولياتهم... قبل فوات الأوان!