آخر تحديث :الثلاثاء-16 سبتمبر 2025-11:17ص

سبتمبر… ميلاد الجمهورية وكسر القيد السلالي

الأربعاء - 03 سبتمبر 2025 - الساعة 08:33 م
عبدالعزيز الحمزة

بقلم: عبدالعزيز الحمزة
- ارشيف الكاتب


(هذا المقال الاول ضمن سلسلة مقالات سبتمبر الثورة)

يَوْمٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ تَصْنَعْ أَشْعَتَهُ

شَمْسُ الضُّحَى بَلْ صَنَعْنَاهُ بِأَيْدِينَا

قَدْ كَوَّنْتُهُ أُلُوفٌ مِنْ جَمَاجِمِنَا

وَجَمَّعْتُهُ قُرُونٌ مِنْ مَآسِينَا

نَسِيجُ أَضْوَائِهِ الْبَيْضَاءُ دَمٌ عَبِقٌ

سَالَتْ بِهِ مُهُجُ الطَّهْرِ الْمُضْحِينَ

فَكُلُّ ثَانِيَةٍ مِنْهُ لَوِ انْتَسَبَتْ

عُدَّتْ سُلالةُ أُسُودٍ مِنْ أَوَالِينَا

لَقَدْ دَفَعْنَا لَهُ الْأَرْوَاحَ غَالِيَةً

لَكِنْ كَسَبْنَا الْغَوَالِيَ مِنْ أَمَانينا


لم يكن السادس والعشرون من سبتمبر 1962م مجرد يومٍ في تقويم اليمنيين، بل كان فجرًا لنهضةٍ كبرى، لحظةً تلاقت فيها دماء الأحرار شمالًا وجنوبًا في مسار واحد، هو مسار التحرر من الاستبداد السلالي والكهنوتي ومن الاستعمار الأجنبي.

لقد كانت ثورة 26 سبتمبر الأم التي احتضنت نضالات الحركة الوطنية اليمنية، والتي مهّدت الطريق لثورة 14 أكتوبر في الجنوب، فجسّدت بذلك وحدة النضال اليمني وعمق الارتباط النضالي الشعب اليمني شمالا وجنوبا، إذ لم تكن معركة الحرية محصورة بجغرافيا، بل كانت قدرًا وطنيًا جامعًا.

لقد سبقت سبتمبر محاولات وإرهاصات جسورة، في شمال اليمن (ضد الإمامة):

1891م: انتفاضة قبائل حاشد وبكيل ضد سيطرة الإمام.

1911م – 1919م: ثورات متقطعة ضد الإمام يحيى بعد انسحاب العثمانيين.

1925م – 1929م: انتفاضات في تهامة بقيادة الفقيه سعيد، وكذا الزرانيق، ضد الإمام يحيى.

1948م: ثورة الدستور في صنعاء (اغتيال الإمام يحيى وفشل الثورة).

1955م: انتفاضة المقدم أحمد الثلايا في تعز ضد الإمام أحمد.

وفي جنوب اليمن (ضد الاستعمار البريطاني):

1915م: انتفاضة لحج ويافع ضد البريطانيين.

1948م: حركة عدن ضد الاستعمار.

1956م: احتجاجات عدن المتأثرة بالمد القومي. وكذا الانتفاضة في دثينة وجبال خطيب وجبال ال فطحان

قدمت فيها الحركة الوطنية تضحيات جسام، لكنها لم تكتمل إلا حين التحم الوعي بالإرادة، وارتفعت البنادق في فجر سبتمبر لتكتب بمداد الدم صفحة الجمهورية الأولى في جزيرة العرب.

كان شمال اليمن قبل الثورة رهينة نظام إمامي كهنوتي سلالي، يفرض الوصاية على الشعب باسم الحق الإلهي، ويعزل الوطن عن محيطه والعالم، ويغرقه في الجهل والفقر والمرض. لكن الشعوب العظيمة لا تُستعبد إلى الأبد، والكرامة إذا استيقظت لا تنام. فخرج الأحرار من كل فئات الشعب: ضباطًا ومثقفين، وشيوخ قبائل، وطلابًا وفلاحين، ليقولوا كلمتهم الفصل: لن يكون اليمن مزرعة لسلالة ولا ولاية لعمامة.

لم تكن سبتمبر ثورة على إمام بعينه، بل كانت ثورة على الفكرة الكهنوتية نفسها، ثورة على كل ادعاء بالحق الإلهي، ثورة على الطبقية العنصرية التي قسمت اليمنيين إلى سادة وعبيد. كانت سبتمبر إعلانًا أن اليمنيين جميعًا أحرار، شركاء في الوطن والكرامة والمستقبل.

ومنذ ذلك الفجر العظيم، صار السادس والعشرون من سبتمبر رمزًا خالدًا في وجدان الأمة اليمنية، يذكّرها أن الحرية تُنتزع انتزاعًا، وأن دماء الزبيري وعلي عبدالمغني والعلفي والثلايا لم تذهب سدى، بل صنعت ميلاد الجمهورية وكسرت القيد السلالي.

واليوم، وبعد أكثر من نصف قرن، يعود المشروع نفسه بوجهه الحوثي الانقلابي، مستندًا إلى نفس الخرافة العفنة، متكئًا على وصاية فارس وطموحاتها. لكنه غفل أن روح سبتمبر لا تموت، وأن جذوة الثورة لم ولن تنطفئ، وأن اليمني الذي كسر القيد بالأمس سيكسره من جديد، وبقوة أكبر وإرادة أصلب.

سبتمبر في وجدان اليمني اليوم

إن سبتمبر ليس مجرد تاريخ عابر في كتاب الزمن، بل هو دم يسري في عروق الأمة، وصوت يعلو في صدور الرجال والنساء، وراية خفاقة في قلوب الأجيال. هو نداء إلى الحكومة أن تستعيد روح الثورة في مؤسساتها وقراراتها، لا أن ترضى بأنصاف الحلول. هو صرخة في وجه الجندي والمقاوم أنتم أحفاد عبدالمغني والثلايا، وعليكم أن تكملوا المسير حتى آخر الشوط. هو حافز للشعب أن يظل متماسكًا، عصيًا على الوصاية، رافضًا للاستسلام، رابطًا بين سبتمبر وأكتوبر كجناحين لطائر واحد يحلّق بالحرية فوق سماء اليمن.

سبتمبر اليوم ليس ذكرى، بل جبهة مفتوحة، ملحمة مستمرة، معركة وعي ومصير. هو وعدٌ يتجدد: أن اليمنيين الذين أسقطوا الإمامة بالأمس، قادرون على إسقاطها من جديد، وأن هذه الأرض لن تُحكم إلا بروح الجمهورية، ولن تُرفع فيها إلا راية الحرية.

فلتكن كل مؤسسات الدولة، وكل ميادين القتال، وكل ساحات الوعي، وكل أصوات الإعلام، صدى لتلك الصرخة الأولى في فجر سبتمبر: اليمنيون أحرار… وسيظلون أحرارًا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ولن ترى الدنيا على ارضي وصيا…

،،،،،،،،،،،،

✍️ عبدالعزيز الحمزة

الاربعاء ٣ سبتمبر ٢٠٢٥م