الحياة وأثرها الخفي على النفس

أحياناً أتأمل نفسي فأجد أن الحياة ليست مجرد أيام تتوالى، بل قوة خفية تُعيد تشكيل أعماقي في كل منعطف. كل تجربة، مهما بدت عابرة، تترك بصمتها في داخلي: موقف يزرع في قلبي بذرة قلق، أو كلمة طيبة تعيد لي شيئاً من الثقة المفقودة.

وكأن النفس البشرية أرض خصبة، تُثمر بما يُلقى عليها من تجارب.

الدراسات النفسية الحديثة تتفق مع ما نشعر به intuitively: أن البيئة الاجتماعية والضغوط اليومية قادرة على إعادة تشكيل الدماغ ومسارات التفكير. علماء الأعصاب تحدثوا عن اللدونة العصبية، أي قدرة الدماغ على التكيف مع ما نعيشه، سواء كان ذلك صدمة أو نجاحاً أو حتى روتيناً طويلاً.

وأنا أرى هذا بوضوح حين أعود بذاكرتي إلى لحظات الألم، فأكتشف كيف غيّرت طريقة رؤيتي للعالم، أو كيف جعلتني أكثر صلابة وإن بدوت حينها هشة.

وليس الألم وحده ما يؤثر، بل حتى إيقاع الحياة السريع الذي نعيشه اليوم. الأبحاث تؤكد أن الضوضاء المستمرة، كثرة الملهيات الرقمية، وغياب المساحات الهادئة للتأمل، كلها تزيد من معدلات التوتر والقلق.

وأنا أشعر بذلك بوضوح: كيف يمكن لعقلي أن يبقى صافياً وسط هذا الزحام المستمر من الأخبار والرسائل والتنبيهات؟ وكأننا نُربّى على أن نكون قلقين باستمرار، غير قادرين على الإنصات لأنفسنا.

لكن في المقابل، هناك جانب آخر يدهشني: قوة النفس في الشفاء.

قرأت في أكثر من بحث أن ممارسة التأمل، أو حتى قضاء وقت قصير في الطبيعة، يخفضان معدلات هرمونات التوتر بشكل ملحوظ.

كأن النفس تستعيد توازنها بمجرد أن تُمنح فرصة للسكوت والهدوء. وهذا يوافق تجربتي الشخصية: في كل مرة أختلي بذاتي، أتنفس بعمق وأترك ضجيج العالم بعيداً، أجد أنني أستعيد شيئاً من صفائي الذي كدت أفقده.

الحياة، إذن، ليست مجرد واقع خارجي نفرضه على أنفسنا، بل هي أيضاً انعكاس داخلي يتجسد في أرواحنا.

وما بين نتائج الدراسات وأصوات قلبي، أوقن أن النفس البشرية أشبه بنهر: يصفو حين تُرويه تجارب نقية، ويتعكر حين تتراكم عليه شوائب الضغوط والآلام.

وفي النهاية، أتعلم كل يوم أن إدراك أثر الحياة على نفسي هو الخطوة الأولى لحمايتها.

أن أُحسن اختيار ما أُدخل إلى قلبي، وما أُبقيه بعيداً، هو مسؤولية لا تقل عن أي التزام آخر. فالنفس هي بيتنا الأول، وإذا تهدّم من الداخل فلن يبنيه العالم كله من الخارج.

الكاتبة: سناء العطوي