بدأ العام الدراسي في المحافظات المحررة "الجنوبية" بمشاهد متباينة، ففي حضرموت أصرت نقابة المعلمين على التمسك بالإضراب إلى حين الإستجابة لمطالب المعلمين "الحضارم" الحقّة منذ ما يقارب ثلاث سنوات تخللتها نضالات سلمية لمعلمي حضرموت ونقابتهم ، و عروض مجتمعية من السلطة المحلية بحوافز مالية شهرية، لكنها لم ترقَ إلى مطالب المعلمين هناك ..و الداعية إلى تطبيق قانون هيكلة الأجور الصادر 2005 والقاضي بمواكبة رفع قيمة الراتب تماشيا مع التضخم الإقتصادي .
أما في عدن فقد أثار قرار نقابة المعلمين "كسر الإضراب" جدلا واسعا وسط إصرار السلطة المحلية والأهالي على ذلك رغم انعدام مرتبات شهري يوليو وأغسطس، لكنهم عادوا للتدريس برفع قيمة الحافز الذي أقرته السلطة المحلية إلى 50 ألف، وإن كان مازال لم يلبِّ تطلعات المعلمين بهيكلة الأجور ، خصوصا في حالة التخبط الإقتصادي التي يدفع ثمنها الموظفين الحكوميين بشكل مباشر .
على جانبٍ آخر.. محافظة أخرى ومن عالمٍ آخر ..مثيرة للجدل والإستغراب بتعاطيها مع افتتاح العام الدراسي الجديد.. ألا وهي "لحج" !!
الأمر في لحج بدا "مناطقي" بشكل واضح ..إذ ( كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون ) .
فالمديريات الجبلية كانت أقرب إلى المنطق كما قربها من القرار السياسي في البلاد عموما ..إذ ساندت المعلمين في فتح الإضراب عن طريق دعم مجتمعي ورسمي بالإلتزام للمعلمين بحوافز شهرية تضاف إلى الرواتب "الزهيدة" دون الحاجة إلى أي جهة داعمة من خارج حدودها .
لكن ..بقيت أهم مديريتين في لحج من حيث عدد المعلمين و أهمية التعليم فيهما، كونهما مركز المحافظة كما أن معلميهما كانوا ومازالوا رافدا مهما لباقي المديريات بالمعلمين الأفذاذ في شتى التخصصات، وعلى يدهم تخرجت أجيال متعاقبة تشهد بجدارتهم وريادتهم ...
معلمو تبن والحوطة .."السهل المسالم" ..الممتنع عنه أي حافز أو دافع لفتح الإضراب عن طيب خاطر ورضا ..لكنهم كسروه بدون أي حافز من هنا أو هناك ..ولا أي وعود مضمونة من الحكومة أو غيرها ! و كأنّ هاتين المديريتين بكل ما تملكانه من مقدرات طبيعية وبشرية حُقّت عليهما "الذلة و المسكنة" ..إضافة إلى أن معلميهما يتحملون أعباء مضاعفة كونهما تحويان عشرات الآلاف من النازحين داخلياً وخارجيا، فالصفوف مكتضة، والكتب المدرسية قلّما تكتمل في أي مدرسة ..
بين هذه النماذج الثلاث شُنت حملات شعواء لسوق المعلمين إلى الصفوف مرغمين من كبار الصحفيين والقادة والحُكّام كلا في مجاله ..و كأنّ المعلم للجميع ..مُستباح ..بلا حقوق و لا أي مستحقات، ليكتفِ بخمسين دولار إن قلّ أو كثر مع تمايل سعر الصرف تحت أقدام "المرتزقة" ممن أخذوا الوطن حصريا لهم !
لقد جاءت الإصلاحات "المفترضة" والمعلم لم يلمس شيئا منها بعد ..فراتبه لمدة شهرين مازال محتجزا لدى حكومة "بن بريك" التي وافقت على إرسال إعاشة "المرتزقة" من بقايا الأنظمة السابقة "المتسكعون" في عواصم البلدان.. و لم توافق على الإفراج عن "رويتبات" المعلمين الزهيدة جدا ..إذ أن الحكومة لديها أولويات إصلاحية كبرى ..كسرقة "مدخرات" المواطنين البسطاء ممن تكيفوا مع "العشر العجاف" وخبأوا بضع "ريالات سعودية" للأيام السود التي طالت ..وأتى أسودها بمجيء "المعبقي" وعصابة "الصرّافين" المرتزقة ..كما أنه من أولى أولوياتها غض الطرف عن تلك المؤسسات التي تنهب مليارات من الإيرادات الواجب تحويلها "للبنك المركزي" في عدن ! .
أما رواتب المعلمين فأمامها حواجز عظمى كبُعد قدوم "المنحة" السعودية ..التي أُحيل إليها رواتب الموظفين عموما ..
نعم هكذا بكل وقاحة ..المرتزقة يأخذون إعاشاتهم الدولارية وبالالاف من عائدات النفط والغاز "لحضرموت وشبوه" ، أما المعلم فراتبه ممنوع بأمر المنح ورضاها ..
المعلم للحكومة، والمحافظ، والمسؤول، والمواطن، والمتحاذق، والدعاة، والباعة، و المشترين، والطالب، والمدير، والمنظمة، وللحجر، والشجر ..المعلم للجميع ملكية "خاصّة" يصرفوه بأبخس الأثمان في سوق "الصرف" وقتما شاؤوا ..
أما الوطن .. بغازه ونفطه ، وموانئه ومطاراته، وجزره، وتاريخه، وشهدائه فللمرتزقة ..يسرحون ويمرحون كما لو كانت هذه البلاد لم تشهد يوما استقرارا و لا عدلا و لا حتى إقامة صلاة ..