حياتنا في الريف بسيطة هادئة، بالرغم من تباعد قرانا عن بعضها البعض، لكنها تعيش حياة ملهمة تختزل فيها أسمى وأرقى المعاني في التربية. يبدأ ذلك من الأسرة، ومن ثم يصبح التعامل بذلك اعتياديًا بين الناس خارج الأسرة وقائمًا على أساس هذه المعاني التي تُنقل من آبائنا وأمهاتنا عن أجدادنا. وتُعتبر هذه التعاليم في آداب التعامل هامة في المجتمع وخارجه، وأولها كيفية الحديث مع الآخرين. فمنها أدب التحدث، والمثل في قرانا يقول: "اوزن كلامك قبل أن تتحدث به، وتذوقه قبل أن يخرج من فمك، لأن الكلمة لها ذوق خاص ووزن يجب الانتباه له، فعندما تخرج من الفم لن تعود إليه من أجل تحسينها وتنميقها أو تعديلها، فهي تشبه الرصاصة عندما تنطلق من البندقية لن تعود إليه أبدًا". فلهذا عليك، قبل أن تبدأ الحديث مع من تتحدث إليهم، أن تتوقف للتفكير فيما تقوله، وتمهّل، ولا تُطلق لسانك بالحديث دون وعي إلا بعد أن تعيد كلماتك للتمحيص، حيث إن معظمنا يطلق العنان للسانه دون التحكم فيما يقولون، ولا يسيطرون على ما تنفثه أفواههم من كلمات؛ فقد تضر بها أحدًا، أو تغتاب أحدًا، أو تقلل من شأن أو قيمة أحد. ولهذا وجب علينا أن ندرب أنفسنا على التفكير الواعي الإيجابي المسؤول عن آرائنا وأفكارنا وأحكامنا ومعتقداتنا، وما يصدر منا من قول أو عمل. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119]. فالصادقون الناجحون هم من يسيطرون على ما يخرج من أفواههم، فهم يدركون أن الذين لا يتحكمون فيما ينطقون به من كلمات سوف تتحكم فيهم تلك الكلمات. ولهذا تجدهم أكثر حكمة ودراية ومعرفة، ويعون الأفكار القيمة والسليمة التي يتحدثون بها سواء عن الآخرين أو عن أنفسهم. وهذا يدل على الثقة بالنفس، والتقدير للذات، والحب للآخرين، والقدرة على سعة الرؤية البعيدة لبناء العلاقات الاجتماعية الطيبة. فإن وزن الكلمة قبل أن تنطقها وتخرج من فمك يُعد أعلى درجات السمو الذاتي، لأنك تتحدث بنزاهة، وكلماتك تعبر عنك، ومنسجمة مع رؤيتك ونبل أخلاقك وأسلوبك وسلوكك الراقي الذي تربيت عليه في الأسرة والمجتمع. فهذه الكلمات يكون لها التأثير الإيجابي أو السلبي عليك أو على الآخرين، فهي إما أن تعزز وزنك وقيمتك وقيمة الآخرين، أو أن الكلمات تطلق رسالة تخلق ردود أفعال عند الآخرين إما للحب أو للكراهية. فلا تطلق الكلمات التي تدل على أنك متعجرف أو عدواني أو قليل الاحترام وقليل التربية. احرص على ألا تتفوه إلا بالكلمات الطيبة الإيجابية التي تغرس في نفوس السامعين الحب والفضيلة، وتزيدهم وعيًا وبصيرة في أمور الحياة. فإذا كانت كلماتي تعبر عن محبتي وتقبلي للآخرين، فهم سوف يعبرون عن مشاعرهم ومحبتهم تجاهي وامتنانهم بالخير كما كانت كلماتي تجاههم. فالحقيقة أن الكلمات تطلق طاقة، يكون رد الآخرين عليها بمستوى تلك الطاقة، إن كان في الحب أو الكراهية، أو تكون مصدر الإلهام والتحفيز. ولهذا اجعل كلماتك منسجمة مع رؤيتك وأحلامك في الحياة.
30/8/2025