آخر تحديث :الثلاثاء-09 سبتمبر 2025-06:06م

التعليم الخاص والأهلي في عدن: له وما عليه

الإثنين - 25 أغسطس 2025 - الساعة 07:33 م
عبدالناصر صالح ثابت

بقلم: عبدالناصر صالح ثابت
- ارشيف الكاتب


يُعد التعليم الخاص في مختلف بلدان العالم ظاهرة صحية وضرورية، إذ يوفّر فرصًا للتكيف مع المناهج الدولية مثل البريطانية أو

الأمريكية، ويمنح الأسر الميسورة خيارات أوسع لتعليم أبنائها، كما يساهم بشكل رئيسي في استيعاب خريجي الجامعات والحد من

البطالة.

وفي عدن، شهد قطاع التعليم الخاص والأهلي انتشارًا واسعًا في السنوات الأخيرة نتيجة عدة عوامل، أبرزها تدهور مستوى

التعليم الحكومي وتزايد أعداد الوافدين إلى المدينة بسبب الحرب. هذا النزوح الكبير أثّر على البنية التعليمية الحكومية، التي لم

تعد قادرة على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب، تمامًا كما تأثرت خدمات الكهرباء والمياه نتيجة التوسع السكاني العشوائي.

لكن هذا النمو المتسارع للتعليم الخاص يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى الالتزام بتطبيق المعايير التي حددتها وزارة التربية

والتعليم، سواء فيما يتعلق بتقييم المباني المدرسية، أو ضبط المناهج الدراسية، أو تحديد كفاءة المعلمين والإداريين، خاصة مع

تنوع المدارس التي تقدم مناهج بلغات متعددة كالإنجليزية والفرنسية، وأخرى بالتركية.

ورغم التحديات، قدّمت بعض المدارس نماذج تعليمية ناجحة يمكن البناء عليها كنقاط مضيئة. غير أن غياب الرقابة الصارمة

راكم مشكلات كثيرة وفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة:

 هل تلتزم المدارس الخاصة، القديمة والجديدة، بالمعايير وقانون إنشاء المدارس الخاصة؟

 ما هي آلية المراقبة الدورية وضمان التطبيق الفعلي للمعايير؟

 وهل هناك مخاطر من اختراقات أيديولوجية أو فكرية في بعض المناهج؟

إن تشجيع الاستثمار في التعليم الخاص والأهلي يجب أن يقابله التزام وطني وأخلاقي بقدسية التعليم وتربية الأجيال. فلا يكفي

الاعتماد على الرقابة الرسمية وحدها، بل يجب أن تكون هناك رقابة ذاتية من إدارات المدارس، تشمل ضبط الأسعار، وتحسين

جودة الخدمات التعليمية، وضبط المناهج، وتقديم مساهمات مجتمعية تضع مصلحة الطلاب وأولياء الأمور فوق أي اعتبار.

كما تقتضي الأمانة المهنية عدم استغلال ضعف إمكانيات التعليم الحكومي أو الظروف المعيشية الصعبة للمعلمين، بما في ذلك

الإضرابات التي تكررت خلال السنوات الأخيرة وأثّرت على الغالبية العظمى من الطلاب. بل ينبغي الاستثمار في تحسين جودة

الخدمات المقدمة، والارتقاء بالعملية التعليمية برمتها.

وعلى المستثمرين في هذا القطاع أن يقدموا منحًا تعليمية، وأن يسهموا في بناء مدارس أهلية خيرية للمحتاجين والفقراء، تخضع

لمعايير ومراقبة الوزارة، إذ يمكن لمثل هذه المبادرات أن تخفف الضغط على المدارس الحكومية. ولا بد أن يُنظر إلى هذا

الاستثمار ليس كمشروع تجاري محض، بل كمسؤولية إنسانية بالدرجة الأولى، مع الحفاظ على توازن واضح في أهداف الربح.

كما ينبغي على الوزارة مراجعة معايير إنشاء المدارس الخاصة، وإجراء تقييمات دورية لها من خلال الزيارات الميدانية،

وفرض ضبط الأسعار وفق فئات التقييم، مع الالتزام بالرقابة المستمرة وتنفيذ إجراءات صارمة في حال الإخلال أو عدم

الاستجابة للتحسينات المطلوبة.

ويظل دور المجتمع أساسيًا، ومن الضروري إنشاء نقابة مجتمعية لمراقبة أداء مدارس التعليم الخاص وحصر إخفاقاتها، أو أن

يُناط هذا الدور إلى نقابة المعلمين والتربويين الجنوبيين، لتسهم في قياس أثر الإضرابات في التعليم الحكومي وضمان عدم

استغلال المدارس الخاصة لهذه الأوضاع ومنعها من استقطاب المعلمين المضربين.

في النهاية، يبقى التعليم الخاص والأهلي في عدن فرصة مهمة وإضافة نوعية، لكنه يحتاج إلى توازن دقيق بين حرية الاستثمار

والالتزام بالمعايير، ليكون داعمًا للتعليم الوطني لا عبئًا عليه.