بقلم اللواء/ علي حسن زكي
إن هناك أنواعًا للعملاء وبحسب ما يُسند إليهم من المهام والتكليفات، إذ ليس بالضرورة أن يكون العميل/الجاسوس فقط هو الذي يتم كسبه/زرعه بواسطة ضابط مخابرات بلد ما في هدف ذات أهمية بالنسبة لجهاز أمن بلده في بلد العميل لتقديم المعلومات وإرسال الإحداثيات، طالما كان هناك أيضًا عملاء من نوع آخر يتم كسبهم في مرافق سيادية مفترضة في بلد ما بقصد الإضرار بها من داخلها لأهميتها بالنسبة للبلد الآخر: كالرئاسة – رئاسة الحكومة – وزارات الخارجية – الدفاع – الداخلية وأجهزة الأمن، وحيث تطلبت حاجة البلد الآخر ذلك.
وفي ذات السياق – كأنموذج – يُحكى عن جهاز مخابرات أحد البلدان أنه لاحظ أن رصيد مدير عام الكادر لإحدى وزارات بلده في البنك يرتفع، وقد كان ذلك كافيًا لتوافر الشبهة. حيث قام الجهاز بمتابعة ومراقبة المدير وتحركاته واتصالاته ولقاءاته، فلم يجد أي خيط يقود لشبهة النشاط. وبعد جهد من المتابعة النوعية الدقيقة توصَّل/اكتشف الجهاز حقيقة أن الرجل كانت لديه مهمة "تطفيش" الكادر المؤهل وذوي الخبرة والتجربة والكفاءة واستبدالهم بمن هم دون ذلك. وهو ما أثّر على سير عمل وأداء الوزارة وفروعها المختلفة.
ولما كانت تلك المهمة من المهام التي توصف بـ((الثابتة))، أي التي تُعطى فيها المهمة وتُسند فيها التكليفات لمرة واحدة فقط ولا تحتاج إلى استمرار التواصل، فقد واجه الجهاز صعوبة اكتشاف الحقيقة. بخلاف المهمة التي توصف بـ((المتحركة)) كتقديم المعلومات وإرسال الإحداثيات التي تحتاج إلى تواصل مستمر بين الضابط والعميل، تسليم المعلومات من العميل للضابط واستلام التوجيهات بحسب أعلاه.
وفي الحالتين – المهام الثابتة والمتحركة – فإن فاعلية جهاز المخابرات وتأهيل وقدرات قيادته وضباطه ومدى مراقبته ودقة تتبعه وتكامل وإسناد الجهد المجتمعي للجهد الأمني باعتبار أن الأمن أمن الجميع، هو ما يعتمد عليه في كشفها (كشف الجريمة قبل وقوعها).
إن عدم الاهتمام بالكادر المؤهل وذي الخبرة والتجربة والكفاءة، لصالح من هم دونه، وما يترتب على ذلك من إضعاف للأداء، ربما لا يقل ضرره (المفترض) عن ضرر المدير العام من حيث ضعف الأداء، وذلك بسبب عودة موروث ماضي ما قبل دولة الجنوب عام 67م ومساوئه الاجتماعية: الثارات، الجهوية، المناطقية، القروية، والقبلية، كإحدى نفحات وبركات حرب قوى الحرب والاحتلال عام 94م الكارثية وما تناسل عنها، والتي لا يزال وطننا وشعبنا يعاني منها حتى اليوم، بعدما كان كل ذلك قد صار في خبر كان في ظل دولة الجنوب.
في محاضرة له حذَّر المناضل الوطني الكبير الشهيد علي عنتر مما وصفها بـ((الجرثومة التي تجرّك إلى منطقتك وقبيلتك وقريتك)). لقد حان الوقت للتخلص من مساوئ الماضي أين وحيث ومتى وُجدت، وفي سياق استعادة وبناء الدولة الجنوبية الفيدرالية المدنية، دولة المؤسسات والأمن والاستقرار والنظام والقانون، والمؤهلات والكفاءات والعدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية.